Friday, November 24, 2006

بيت حانون .. على قائمة المجازر

أحد الشهداء من المجزرة


صفحة السوابق الإسرائيلية ما زالت تتجدد وتثقل ولا يكاد الحبر الذي كتبت به تفاصيل مجزرة ما إن يجف, إلا وقد سمعنا عن مجزرة جديدة, فنعيد فتح الملفات التي أصبحت ثقيلة ودسمة لنخط من جديد مجزرة أخرى تضاف إلى قائمة المجازر الإسرائيلية المتواصلة, الوحشية, الهمجية والتي تخلو من صفات الإنسانية بل وتتجرد من الصفات الطبيعية للإنسان الذي يدعي بكل وقاحة حقه في الدفاع عن نفسه.

ها هي المرة التالية التي ترتكب فيها إسرائيل مجزرتها الهمجية, بعد توغل قوات الاحتلال إلى قطاع غزة ومحاصرة الشعب الفلسطيني برا وجوا وبحرا, وتجويعه منذ شهور بل وضرب كل ما يمكن ضربه. ها هي المجزرة الجديدة التي أخذت رقم الثامن والسبعون أو التاسع والسبعون على قائمة المجازر الإسرائيلية, فما عادت الأرقام تهم احد وما عادت تنفع, فإسرائيل ماضية في مجازرها, وربما هي المرة الثمانون في حال إن مجزرة ارتكبت يوما ولم يعلم بها احد, لكن الوثائق تشير إلى أن هذه هي المرة الثامنة والسبعون أو التاسعة والسبعون. تلك المجازر التي امتد على سبع عقود مضت. وحتى قبل قيام الدولة العبرية, فالهمجية والوحشية, هما الصفتان اللتان ميزتا قيام هذه الدولة, فهي لم تقم ولم تستمر إلا على جثث الأبرياء ممن قتلتهم في مجازرها بكل عنف ووحشية.

بيت حانون هي الضحية الأخيرة ضمن هذه القائمة والتي بدأت في المدن والقرى الفلسطينية, فلم يسلم من هذه المجازر احد, فكل بقعة في فلسطين تشهد مجزرة ما على أرضها, من القدس وحيفا وبلد الشيخ والعباسية والخصاص وباب العامود والشيخ بريك وحتى فندق سميراميس في القطمون وحتى بناية السرايا العربية والسرايا القديمة في طولكرم لم تسلم منهم وسعسع وبناية السلام في القدس والحسنية وسوق الرملة وحتى القطار ما بين القاهرة وحيفا لم يسلم من هذه المجازر ودير ياسين وقرية قالونيا وقرية اللجون وقرية ناصر الدير وقرية طبرية وصفد وعين الزيتون وقرية أبو شوشة وقرية بيت دراس والطنطورة وقرية جمزو واللد والمجدل والدوايمة وعيلبون والحولة وقبيلة عرب المواسي مجد الكروم وقرية أم شوف والصفصاف وقرية جيز وقرية شرفات وبيت لحم وبيت جالا وغزة وقبية ونحالين وبئر السبع وقلقيلية وكفر قاسم وخانيونس والبريج ورفح والخليل وصبرا وشاتيلا وجباليا ومؤخرا بيت حانون. هذه القرى والمدن والمناطق لم تسلم من بطش اليهود والمجازر الإسرائيلية بحق أصحاب الأرض, بل وتطاولت على الحق الملكي لهذه الأماكن واحتلتها وطردت مواطنيها الأصليين منها وما زالت تستمر بالمجازر كلما سنحت لها الفرصة.

من الأماكن الأكثر تعرضا للمجازر, وذلك قبل عام 1948 أي قبل قيام الدولة العبرية, منطقة حيفا والمناطق المحيطة بحيفا, حيث جرت هناك 12 مجزرة وكانت حصيلتها ما يزيد عن 500 قتيل إضافة إلى أكثر من ألف جريح, وقد توقفت هذه المجازر في تلك المنطقة عند عام 1967 بعد حرب الأيام الستة. أما في القدس فان الحال لا يسر أيضا, فقد جرت هناك 12 مجزرة أيضا, وكانت الحصيلة تقدر بما يقارب 480 قتيل إضافة إلى مئات الجرحى. في اللد والرملة ويافا والمناطق المحيطة بها, فإنها لم تسلم أيضا من المجازر, حيث أن حصتها كانت ما يقارب 13 مجزرة وحشية وقد استشهد فيها ما يقارب 850 شخص اعزل. من المجازر الأكثر شهرة, مجزرة دير ياسين تلك القرية التي تبعد عن مدينة القدس حوالي ستة كيلو مترات غربا, وقد حدثت المجزرة في التاسع من نيسان عام 1948 حيث قامت مجموعة "الارغون" و"شترين", بمهاجمة القرية والبطش شمالا وجنوبا دون تمييز بين طفل أو امرأة أو شيخ أو مسن أو عازل أو مسلح, ومن ثم قاموا برمي الجثث في بئر القرية, وقد وصل عدد الشهداء فيها إلى 254 شهيدا. ومن المجازر الشهيرة أيضا, مجزرة بيت دراس, تلك المجزرة الوحشية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على جبن الجيش الإسرائيلي في التعامل مع الإنسانية والبشرية, ففي الواحد والعشرون من شهر أيار عام 1948 طوق جيش الاحتلال قرية بيت دراس من كل الجوانب وبدأ في قصف السكان دون تمييز, فما كان من أهل القرية إلا أن يخرجوا الأطفال والنساء بعيدا عن الخطر, وفي طريق الخروج فاجئهم جيش الاحتلال وتصدى لهم بالنيران, وكانوا نساء وأطفال وشيوخ, وقد استشهدوا جميعا وقد وصل عددهم إلى 260 شهيدا. لم يسلم احد من هذه المجازر, حتى الذين قصدوا مسجدا في الله وهو مسجد دهمش في الحادي عشر من تموز عام 1948 واختبئوا فيه فلم يسلموا من هذه المجازر حيث دخلت عليهم وحدة كوماندوس وقتلت منهم 176 ليرتفع عدد الذين استشهدوا في تلك المجزرة إلى 426 شهيدا.

من أكثر المجازر وقاحة, مجزرة كفر قاسم حيث فرض حظر التجول في ساعات المساء آنذاك وحدثت تلك المجزرة في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956, فعندما عاد السكان الذين كانوا متواجدين خارج القرية, قام جيش الاحتلال بإطلاق النيران على كل من كان يتجول من العامة, وكانت حصيلة هذه المجزرة, أن استشهد 49 شخصا, والأمر الأكثر وقاحة هو أن اللواء العسكري قدم إلى محاكمة عسكرية, وقد كلف بدفع غرامة قدرها قرش واحد وذلك لأنه ارتكب خطئا فنيا. شهدت مدينة خان يونس مجزرة وحشية بلا حدود, حدثت المجزرة في المنطقة الشرقية للمدينة في الثالث من تشرين الثاني عام 1956 حيث دخلها جيش الاحتلال بالسلاح الفتاك وقصفها قصفا حتى أنهى كل ما عنده, وكانت النتيجة أن استشهد ما يقارب 500 شخص اعزل. كما وقد شهدت مدينة خانيونس مجزرة أخرى بعد تسعة أيام في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1956 حيث اتبع جيش الاحتلال الطريقة ذاتها التي اتبعها في المجزرة السابقة وكانت النتيجة هذه المرة 275 شهيد من السكان المدنيين العزل. في فترة حرب الأيام الستة أو من عام 1967, قام جيش الاحتلال بتطويق مدينة القدس وقصفها بالقنابل وتدمير البيوت على سكانها وقد اكنت نتيجة هذه المجزرة 300 شهيد. في حرب لبنان عام 1982 دخل جيش الاحتلال إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان وبالتعاون مع الكتائب اللبنانية, استطاع جيش الاحتلال أن يصنع مجزرة من أبشع المجازر على وجه الأرض, فخلال ثلاثة أيام, قام جيش الاحتلال بدخول مخيم صبرا وشاتيلا وقتل كل شيء يتحرك, كان ارييل شارون آنذاك الرأس المدبر لهذه المجزرة والتي استمرت 72 ساعة متواصلة وكانت تلك المدة كافية لان تنهي حياة أكثر من 3500 شهيد اعزل, حيث أثارت تلك المجزرة زوبعة سياسة ودولية كبرى, وقد تنحى شارون من منصبه آنذاك بسببها لكنه سرعان ما عاد إلى حياته السياسية ليواصل مسيرة المجازر البشعة.

القائمة طويلة جدا, وتكاد لا تنتهي, ولكنها قطعا ستنتهي يوما ما. من تلك المجازر مرورا بمجزرة جباليا والتي استشهد فيها 17 مواطنا من سكان مخيم جباليا, نصل إلى مجزرة جديدة تحمل عنوانا جديدا رغم أن الصورة الجغرافية مألوفة لدينا, ألا وهي بيت حانون. وعلى الرغم من أن غزة كانت مسرحا للمجازر الإسرائيلية قبل ذلك إلا أننا سمعنا مؤخرا ببيت حانون. وها هي بيت حانون يدخل اسمها في شهر تشرين الثاني من عام 2006 قائمة المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. تلك المجزرة والتي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرين شخصا, أثارت الكثير من النقاط والكثير من الأمور التي تفضح ضعف وجبن وحقارة الجيش الإسرائيلي. فبعد أكثر من نصف عام على تطويق قطاع غزة والعمل على إخماد صواريخ القسام, فان حكومة اولمرت فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع هذا الواقع, وأصبح اولمرت يبحث عن إبرة في كومة قش. ورغم هذه الفترة الطويلة لم يستطع أن يوقف حتى عشر هذه الصورايخ, وإنما زادت قوتها وتطور صاروخ القسام حتى أصبحنا نسمع عن الجيل الجديد من القسام. فما الذي حدث بالضبط, وما الذي جعل الحكومة الإسرائيلية تذبح أبناء بيت حانون, على الملأ.

لو نظرنا إلى تاريخ المجازر, لرأينا أن أكثرها دموية وعنفا ووحشية, هي المجازر التي حصلت عندما كانت إسرائيل تحارب ضد دولة من دول الجوار, ففي عام 1948 كانت هناك الحرب الأولى والتي يسمونها اليهود بحرب "التحرير" أما نحن فنسميها بحرب النكبة, في تلك الحرب بذل الشباب اليهود قصارى جهدهم من اجل الوصول إلى اكبر عدد من المناطق وذبح أهله وذلك من اجل احتلال اكبر قدر من الأرض إلى حين إعلان دولة اليهود لاحقا, وهذا ما جرى. وإذا نظرنا إلى عام 1956 فإننا نرى تلك المجزرة والتي أتت في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر, وكانت إسرائيل تبحث عن هذه المجازر بحثا دقيقا, لكي تكون شرارة لحرب أخرى, بعد أن تراجعت من العدوان الذي لم يحقق لإسرائيل سوى الحقد المتزايد من العرب والعالم, وقد اعتبرت إسرائيل آنذاك قناعا يحركه الغرب كيفما شاء, بل وقد وصفها الاتحاد السوفيتي آنذاك بأنها تتصرف دون علم بما قد يحل عليها, تلك هي إسرائيل تبحث عن المجازر وتختلق هذه المجازر من اجل أن تمهد الطريق لحرب قادمة. وفي الحرب انتهجت إسرائيل الطريقة ذاتها واستغلت الفرصة لان تطيح بالعزل. أما في عام 1973 فلم أرى أي نوع من المجازر, وهذا دليل واضح على أن العلاقة بين المجازر والحروب هي علاقة طردية بلا شك, فلم اسمع أبدا عن مجزرة حصلت في فترة حرب أكتوبر ولا حتى في أعقاب حرب أكتوبر. في عام 1982 بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان, انتهزت إسرائيل الفرصة الذهبية ودخلت إلى لبنان, في تلك الأثناء, استطاعت أن تقوم بالمجزرة الجديدة والتي سميت بصبرا وشاتيلا, وحتى تلك الحقبة, فان باقي المجازر الإسرائيلية قبل بيت حانون ومخيم جباليا, فان المجازر كانت تأتي إما من شخص متطرف أو جماعة متطرفة إلى أن أعلنت إسرائيل حربها على القائد الراحل أبو عمار في عام 2002 ومحاصرته في المقاطعة في رام الله, حيث كانت تلك المجزرة أشبه بالمجازر السابقة التي تزامنت مع الحروب.

المجزرة الأخيرة جاءت بعد الفشل الذريع الذي الحق الجيش الإسرائيلي, وبنخبة النخبة من الجيش الإسرائيلي ومعه ثلاثون ألف جندي احتياط مقابل 800 مجاهد من حزب الله. فلو هزم حزب الله لا سمح الله, لدخت إسرائيل إلى البيوت اللبنانية ولذبحت من فيها, لكي تشعل حربا ضروس, لكنها فشلت وتراجعت, واعدت العدة من جديد وأخذت صواريخ القسام كذريعة فاشلة, فصواريخ القسام, هي ظاهرة لازمت المستوطنين منذ سنين, ولكن إسرائيل تعد العدة لحرب آتية, فدخلت إلى بيت حانون, لتدرب جيشها الذي لم يستطع أن يصمد أمام المقاومة الباسلة. فهي واضحة جدا, ولا تحتاج إلى تأويل وتفسير, إسرائيل تقوم بمجزرة كلما اقتربت حرب في المنطقة, لاسيما وان هذه الحرب ستبدؤها إسرائيل بنفسها مع دول في المنطقة, وبالأخص بعد الهزيمة النكراء في بنت جبيل التي صمدت ثلاثين يوما ولم ولن تسقط رغم أن قائد الأركان الإسرائيلي, أعلن أنها سقت منذ اللحظة الأولى في يد الجيش الإسرائيلي. وها هي بيت حانون تضاف إلى قائمة المجازر, وربما إلى خطوة نحو حرب قادمة, والأيام هي التي ستحكم على الواقع.

0 تعليقات: