Friday, December 01, 2006

فاطمة النجار .. جدة ومجاهدة

فاطمة النجار


لعمري لم أرى صورة أثر بي مضمونها أكثر من صورة فاطمة النجار من وكالات الأنباء التي تناقلت تلك الصور وذلك الشريط المسجل لتلك المرأة. وعلى الرغم من الأجواء العامة التي حلت مؤخرا على قطاع غزة, مرورا بمجزرة بيت حانون, وانتهاء باغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل, فان الضجة الإعلامية, والزوبعة الصحافية, لم تستحوذ على تأثيري الخاص أكثر من الخبر الذي هز تفكيري تماما, وأعاد خلط الأوراق من جديد, فلم اعد أدرك كيف سأنسق الموضوع, بل كيف سأبدأ ومن أين انتهي. هو خبر شاهدت لمحات منه على التلفاز, ولم أكن اعلم بتيقن محتواه وأبعاده, بل لم أكن اكترث حقا للعودة إليه, إلى أن تصادمت معه في الانترنت.

يقول الخبر: امرأة فلسطينية تفجر نفسها في قطاع غزة بالقرب من جنود إسرائيليين حيث أدت العملية إلى جرح ثلاثة جنود إسرائيليين وقد نقلوا إلى المستشفى اثر هذا التفجير, إلى هنا انتهى الخبر. ولكن لاحظت في التلفاز أنهم يعرضون شريطا مسجلا لامرأة يبدو عليها كبر السن, تلف على رأسها شريطا من القماش الأخضر كتب عليه, كتائب الأقصى. والأمر الغريب, أنها تحمل رشاشا من نوع أم 16, وفي الخلفية, صور ممزوجة ببعضها تشير إلى أنها صممت لكتائب عز الدين القسام.

من التلفاز لم افهم شيئا, لان الشريط عرض في لحظات معدودة حتى أن صوت المعلق الإسرائيلي كان يغطي على حديث المرأة. وعدت إلى الحاسوب, لأبحر في الانترنت, وشاء القدر أن اصطدم من أول لحظة بنفس الخبر, لكن المرة ليس له من مفر, فتريثت وقرأت الخبر وأيقنت معنى أن يتأثر الإنسان إلى ابعد الحدود, فكما ذكرت سلفا أني تأثرت أكثر مرة هذه الأيام عند قراءة هذا الخبر.

ليس بالأمر الجديد علي أن أرى شخصا قد ذهب ليستشهد في عملية تفجير ذاتية, فتلك الأخبار لطالما تصادمت معها في كل وسائل الإعلام والأنباء, ولطالما تأثرت بدرجات مختلفة بين حالة وأخرى, وليست تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها امرأة تقوم بتلك العمليات. ففي السابق كان للنساء دور في مثل هذه العمليات, اذكر ذات مرة أن حادث تفجير قوي أدى إلى قتل الكثير من الإسرائيليين بداخل إسرائيل, وكانت الفاعلة فتاة لم تبلغ التاسعة عشر من عمرها, واذكر أكثر من قصة رغم أني لا افلح في استرجاع احدها في الوقت الراهن, فتأثير الخبر, لخبط أموري.

وليس بغريب على الإطلاق أن نسمع عن مكان التفجير, ألا وهو حاجز امني على حدود قطاع عزة, تلك الحدود التي لم تكن على مر التاريخ إلى أن قامت الدولة العبرية على هذه الأرض, فحدود غزة, تحولت كلها منذ أعوام إلى قنابل موقوتة, تحتاج إلى من يضغط على الزناد لتفجر القنبلة في الجنود, وتفجر معها جسد المجاهد, وهذا ما حدث لفاطمة النجار. لكن الغريب هو سن الفاعل, ومركز الفاعل.

فاطمة النجار, تلك المراة القديرة, تبلغ من العمر السابعة والخمسون ربيعا من سكان مخيم جباليا, وقد وضعت حدا لهذا العمر, عندما توجهت إلى الحاجز الأمني الإسرائيلي يوم الخميس الثالث والعشرون من نوفمبر وقامت بتفجير نفسها محققة بذلك الأمنية والوعد الذي قطعته أمام الكاميرا التي صورها كادر مجاهدي كتائب عز الدين القسام.

فاطمة النجار, أو الجدة المجاهدة كما أحببت أن اسميها, خلفت ورائها سبع وخمسون عاما من الحياة عندما ضغطت على زناد المتفجرات التي بحوزتها, وفجرت نفسها في سبيل الله وسبيل الوطن. وقد وجد فيها المحللون الإسرائيليون, الجدة الإرهابية, وعلى عكس ذلك, فإنها قطعا وبلا شك, الجدة المجاهدة. فاطمة النجار, تركت خلفها تسع أولاد, وعلى الرغم من قلة المعلومات التي توفرت عنها بصورة عامة إلا أن الإعلام استطاع أن يعرف أنها تركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا, امتلئوا اليوم حزنا عميقا على فراق جدتهم, وفي ذات الوقت امتلأت صدورهم مشاعر الفخر الوطني والديني, وتحولت من الجدة الحنون والأم المثالية, لتضيف إلى قيمتها الثمينة, قيمة أخرى, وهي الشهادة, فصارت في عيون أحفادها وأولادها والكثيرين ممن سمعوا عنها وأولهم أنا,الجدة الشهيدة.

في محاولة من وسائل الإعلام لتغطية الحدث بأوسع صورة, فقد كان من الواجب اخذ أولاد فاطمة النجار في عين الاعتبار. فكان الحديث مع فؤاد احد أبنائها, البالغ واحد وثلاثون عاما, فقد وصف بأن ما فعلته أمه جعله يشعر بالفخر تجاهها هو وجميع أولادها وأحفادها. فاطمة هي الجدة الأولى في تاريخ النضالي للشعب الفلسطيني. فاطمة تحدت الخوف والمعاناة, واستطاعت أن تضع حدا للرؤية المقيدة, وللحلم البعيد, فعلت الواقع يتحقق بضغطة على الزناد, وجعلت الرؤيا تثمر بأشلائها الممزقة.

في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرون من تشرين الثاني, قامت فاطمة عمر النجار بالاتصال بأولادها وأحفادها ليأتوا إليها, ولم يكن احد يعلم مغزى هذه الاتصالات, وما الهدف من الزيارة في هذا اليوم, ولكنهم جاؤوا لزيارتها, ومن لم يستطع أن يأتي إليها, وصلت هي إليه. وفي الساعة الثانية عشر ظهرا خرجت من البيت دون علم أحد وتوجهت إلى حاجز امني إسرائيلي يقع بالقرب من حي الشيخ زياد شرقي بيت لاهيا بشمال قطاع غزة. وهناك قامت بتفجير نفسها. حيث أنها تقدمت نحو الجنود الإسرائيليين, وعندما طلبوا منها التوقف, رفض, فشكوا بأمرها, واستمرت هي بالتقدم, وكانت النتيجة أنها فجرت نفسها, وعلى اثر ذلك أصيب ثلاثة جنود بجراح نقلوا على أثرها للمستشفى بين حالة خطرة وحالة طفيفة.

فاطمة النجار, وكما يروي أولادها لوكالات الأنباء, أصبحت أرملة قبل عام فقط عندما توفي زوجها يوسف, الاحتلال والمجازر والأزمات الاقتصادية, كونت في نفسيتها الدافع القوي لتفجير نفسها فداءا للوطن. فقد قامت فاطمة قبل ذلك بمساعدة المجاهدين, ومؤخرا إبان مجزرة بيت حانون, عندما كانوا يختبئون في مسجد النصر في بيت حانون. وأكثر ما شدد عليه أولادها وأحفادها هو أن أمهم وجدتهم, جاءت بالكرامة لهم, وأنهم يتمنون أن يموتوا كما هي, شهداء في سبيل الله والوطن.

في شريطها المسجل, قامت فاطمة بإهداء هذه العملية إلى الأسرى في السجون الإسرائيلية, والى حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسماعيل هنية. ولعل العملية لم توقع قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي, إلا أني اعتبر فاطمة عمر النجار أسطورة ونموذجا للمرأة القيمة النزيهة الشريفة, فتركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا. أثار الخبر دهشتي استغرابي وأثار إعجابي بامرأة بلغت السابعة والخمسين من عمرها, وضحت من اجل الوطن والأسرى والشهداء. حسبها الإسرائيليون إرهابية, وحسبها أبنائها وأحفادها وأحبائها شهيدة, وأنا احسبها جدة الشهداء وجدة المقاومين.

4 تعليقات:

Tamer Nabil Moussa said...

الناس دى عندها رسالة ومؤمنة بيها

ربنا يوفقهم يارب

ويقويهم وينصرهم على احفاد القردة والخنازير

تحياتى

منبري said...

كلنا مؤمنين بهذه الرسالة, وانا حاولت ان اكون حياديا لكني وجدت ان الحيادية في هذه الحادثة تقف بجانب فاطمة النجار, شكرا على ردك اخي تامر

واحـــد مـــــن الـنـــاس said...

ياااااااه
هذه جدتي
امي

امرأة بالف رجل
وبمليار مخنث ممن يقبعون على كراسي الحكم في بلادنا

Waleed Fareed said...

شكرا لك أخي الكريم
وربنا يثبتهم وينصرهم