Friday, December 29, 2006

افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة

وقح لكنه صريح

لطالما اعتبرت المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية, أناس تطوف في عقولهم وتصرفاتهم وأفكارهم, إطارات من عنصر وحيد هو الوقاحة, إلا أني أدركت أني اغفل الجانب الأخر من الأمر كله. فهم (الإسرائيليين), يحافظون دائما على توازن في أحاديثهم وخصوصا تلك الحواريات التي يجرونها على قنوات تلفزيونية, ومحطات إذاعية, وحتى في الصحف, فنجدهم يعرضون رأيهم – وان كان وقحا – بكل صراحة ودون خوف من احد ودون مراجعة احد, لأنهم وفي تقديري, استقلاليين, فلا ينتظرون أن يمنحهم كبيرهم الإذن بالكلام.

وعلى الرغم من أن الصحافة الإسرائيلية, تطمح بداية ونهاية في كل إطاراتها أن تعرض الرأي الذي يتماشى مع مصالحها, إلا أن هناك الكثير من الأصوات (اليهودية), تنادي بعكس ذلك, ورغم أنها غير محبذة عند الرأي العام إلا أنها مسموعة بوضوح. تلقى هذه الأصوات المتاعب والانتقادات المستمرة, بل وتحرم من مشاركة اجتماعية واقتصادية على المستوى الفردي, ولكنها تبقى مسموعة. الأصوات التي تنادى بإقامة دولتين بجانب بعضهما البعض ما هي إلا أصوات أحزاب تسعى في مجمل مسيراتها إلى نشر العدالة الاجتماعية لدى جميع المواطنين في إسرائيل, وتأتي العدالة في أشكال متعددة, ففي إسرائيل هناك الفئات والأقليات التي تضطهد فرديا وبشكل مستمر, وهناك التعصب ضد هذه الأقليات, وعلى الرغم من ذلك فان لهذه الأقليات أيضا صوت مسموع دائما, وان كان ضعيفا فهو يحمل في طياته أفكارا وآراء على كل الجوانب المتصارعة أن تحترمه من منطلق حرية التعبير.

المسئول الإسرائيلي هو شخص عادي, فهو مواطن كما هو المواطنون الآخرون, يسمع ويتكلم ويبدي راية الشخصي المنطقي, إن كان في بعض الأحيان يمس أقليات أو يجرح أشخاصا يردون عليه بكلام يجرحه, ولكنه في نهاية المطاف "إنسان" يمتلك تلك المحفزات والمشاعر التي تملي عليه تصرفاته. من خلال تلك المشاعر يمكن معرفة وجهته السياسية وردود افعاله تجاه امور حساسة, كالعرب الذين يعيشون في إسرائيل وحقوقهم, وهم ليسوا بأقلية فهم يفوقون الخمس وعشرون في المئة من الدولة, او كوضع الفساد والخسارة في الحرب ضد حزب الله. هذه الامور وغيرها, يمكن ان نعرفها ونلمسها من خلال محادثات وجدال مع احد المسئولين الإسرائيليين, فهو يقدر ويفكر ويستطيع ان يتجاوب مع الواقع. وعلى الرغم من ان الرؤية العامة لاي حديث مع مسئول اسرائيلي, ستعتبر وقاحة – باعتباره إسرائيليا – الا ان هذا الموقف متغير دائما ويكاد يكون صراحة بدل الوقاحة, وواقعا بدل الكذب, وحقيقة بدل اتهامه في ترويج الأحلام "الصهيونية", والتي استمرت وما زالت منذ عقود طويلة.

الوقاحة, تلك الصفة التي نطلقها على كل مسئول اسرائيلي يتحدث عن امور تخص العرب, وتخص الشئون العربية الداخلية, كسلاح حزب الله مثلا. فالمسئول الاسرائيلي, الذي جاء الى البلاد على متن سفينة وهو يرتجف من الجوع والمهانة, اصبح يتحدث عن شان لبنان الداخلي واصبح يعطي رايه واوامره واعتقاداته وتخميناته ونظرة المستقبلية إن لم ينزح سلاح حزب الله, في هذه الحالة فان الشعور العام وليس العربي فقط سيكون عبارة عن وصف هذه التصريحات من أي مسئول اسرائيلي بانها وقاحة وقلت ادب. وعلى الجهة الاخرى من هذه الامور, فان الوقاحة يمكن لها ان تكون صراحة, ليس بالمعنى الحرفي للكلمة, ولكن بالمعنى الجوهري لها, وهذا هو الامر الخطير في هذه القصة كلها. الفكرة من وراء كل هذا المقال اتتني عندما كنت اقلب قنوات التلفاز, واذا بي اقلب القناة الى القناة العاشرة الاسرائيلية, كانت تبث برناج يقدمه صحفيان اسرائيليان, وانا اتردد على هذا البرنامج لانه يتطرق الى الوضع في اسرائيل والعرب والشأن الاسلامي الدولي ايضا, فارى وجهة نظر الاعلام الاسرائيلي كل يومين تقريبا, واحلل الوضع كل يومين, رغم ان البرنامج يعرض كل يوم. في هذا البرنامج يستضيفون شخصيات كثيرة, منهم يهود وعرب واخرون, منهم مسئولين ومدراء مدارس واساتذة جامعات واعضاء في الكنيست. في حلقة ما كان الحديث عن التطور الذي يحصل في الخليج العربي وعن التصعيد الامريكي في بدئ مناورات عسكرية وبموافقة دول الخليج بل ودعم هذه المناورات, وبالرغم من ان هذا الامر هو مزعج حقا فان الازعاج ازداد مع الانباء الواردة عن الإيرانيين حيث انهم استعدوا هم ايضا الى تصعيد مماثل, فبادروا باطلاق صواريخهم وبتحضير انفسهم للرد.

وكان موضوع الحلقة ايضا, الملف النووي الايراني, وكم كثر الحديث عن هذا الملف حتى كتب عنه مجلدات. ومن منطلق ان الرؤية العامة للاعلام الاسرائيلي تحتم على الموضوع ان يصب في مصالح الدولة العبرية فكان لا بد ان يكون الحوار ضد الملف النووي, وضد التقدم في هذا الشان, وبالرغم من ان هذا ما حصل بالفعل الى انهم عرضوا في البرنامج, صورا من وكالات انباء تصور في ايران حول الملف النووي وقد تحدث فيها ايرانيون مختصون في الاسلحة النووية حول الموضوع وقالوا ان هناك تقدما في هذا الشان والذي يخدم الطب, حيث ان استخدام الماء الثقيل بدل الماء الطبيعي, هو حل لمشاكل السكري او القلب ولا اذكر أي امراض اخرى ذكرت. وكان تعليق الصحفيين, انهم ابتسموا قليلا, ثم قال احدهم ان هذا ممكن, وقال انه لا يفهم في الطب لذلك فهناك امكانية لان تكون هذه التحليلات ممكنة. الرؤية العامة للصحافة الإسرائيلية طغت على الحلقة, ولكن ليس من قبل المذيعين وانما من خلال استضافة عضو الكنيست ونائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرائيم سنيه.

تحدث سنيه وهو في الاصل طبيب, عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها واستمر بهذه الاسطوانة حتى مل منه المذيع ودخل في صلب الموضوع وهو الملف النووي الإيراني. في البداية بدأ يتحدث عن المخاطر التي تحوم فوق الكيان الصهيوني من الخطر النووي الإيراني متناسيا حق إيران بالتطور والازدهار والانفتاح, وغير مبال بشعب عريق, يحمل قيما واخلاقا دافع عنها طوال عقود. سنيه, لم يتطرق الى الهدف السلمي من المفاعلات النووية الايرانية بالرغم من انه طبيب ولم يتطرق الى الاهداف الهدامة من المفاعلات النووية الاسرائيلية في ديمونا والتي كانت ثمرة العدوان الثلاثي على مصر. ولكنه تحدث عن الخطر الذي ينتظر اسرائيل, والدول التي تتماشى مع الخط الامريكي الاسرائيلي العام وكانت جملته القاتلة تلك حين فجرها على الشاشة, ولم اسمعها مترجمة او مدبلجة بل سمعتها بالعبرية, قال:" ان الخطر الايراني يهدد دول عربية ليست بينها وبين اسرائيل سلام {وليس بالضرورة علاقات}, وعلى هذه الدول ان تضع يديها بيد اسرائيل لمحاربة الخطر الايراني الذي يهدد المنطقة". كانت هذه كلمات افرائيم سنيه وقد سمعتها باذني حتى ان المذيع قال له ان محاربة الخطر الايراني لا يستوجب ان يكون هناك سلام بين اسرائيل والدول التي تشكو من ايران, فهناك علاقات تجارية وعلاقات وطيدة الى حد ما.

هذا ما استوقفني وجعلني افكر كيف اطرح الفكرة الى ان وجدت ان هذه التصريحات ما هي الا وقاحة بنظري, فنائب وزير الدفاع, ولد قبل قيام الدولة العبرية وهو الان يتحدث وبكل وقاحة عن خطر يهدد حياة الدولة اللقيطة, بل يحدد سياسة دولية ضد ايران. والاوقح من ذلك انه يفكر في التعاون مع الدول التي تشكوا من ايران, ولكن هذه هي المعضلة بحد ذاتها. فمن جهة هو تطاول على ايران والسياسة الايرانية الداخلية وهذا ما اعتبره وقاحة, ومن جهة اخرى فهو تكلم بمنتهى الصراحة, عن القوى التي يمكن ان تتعاون مع اسرائيل لضرب ايران. ومن هذا المنطلق اسميت هذه المقالة, افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة, وذلك لاني اصدق ما قاله كلمة بكلمة, لانه تكلم بصراحة لكنه في ذات الوقت كان وقحا (بيندب في عينه رصاصة). سنيه ليس مذنبا بقدر الذين تحدث عنهم, فلو ان احدا منهم لديه ذرة من الكرامة لما استطاع ان يفكر فيه اصلا, ولكن الاقنعة تزول ويبقى الوجه الحقيقي مهما تغيرت الظروف ومهما اشتدت الصعاب.

0 تعليقات: