Saturday, March 15, 2008

الرجل الأسود في البيت الأبيض


باراك حسين اوباما, السيناتور الأمريكي في ولاية إلينوي, المترشح للرئاسة الأمريكية هذا العام. يخوض هذه الأيام إنتخابات تمهيدية في الحزب الديموقراطي. الوضع في حزبه شديد التوتر, نظرا للصدفة التي جمعت بين المتنافسين على حزب الدمقراطيين حيث أن أوباما رجل أسود وهذا الأمر بحد ذاته سبق في تاريخ الانتخابات الامريكية, والأمر الآخر هو أن المتنافس الأشد له هي السيناتور هيلري كلينتون, زوجة بيل كلينتون, رئيس الولايات المتحدة الأسبق.

المفارقة أن رجلا أسود وإمرأة, يتنافسان في حزب واحد من أجل الوصول الى البيت الأبيض باتت تأخذ أشكالا مختلفة. وإستخدمت فيها طرق تشويه قذرة وعنصرية, وقد أثرت تلك الطرق بصورة أو بأخرى في تشويه صورة أوباما بشكل خاص عندما عرضت على الانترنت رسالة الى الكثير من الامريكيين حول أوباما وعلاقة إسمه بالدين الاسلامي.

هذا الامر الذي من شأنه اثارة الحفيظة لدى الشعب الامريكي, أثر على حملة أوباما كثيرا, كما أثرت تلك الصورة التي انتشرت في الانترنت وهي صورة اوباما عندما كان صغيرا في زيارة الى اندونيسا. ورغم ذلك فإن حملته نجحت في الحاق الهزائم بهيلري كلينتون.

التشهير لم ينبع فقط من المنافسة من الحزب الديموقراطي فحسب, بل ان المترشح الأقوى في الحزب الجمهوري, تمادى في خطاباته اللاذعة, حيث كان يكرر إسم "حسين" كلما سنحت له الفرصة, في كل خطاب كان يلقيه. ليس هذا فحسب, بل بدأ في تخيل سيناريو أن يفوز أوباما في الانتخابات, فماذا سيكون موقف المواطن الأمريكي اذا استيقظ ذات يوم وعلم ان رئيس بلاده شخص أسود.

من النقاط القوية, التي يعتمد عليها أوباما في الرد على كلينتون, هي الحرب على العراق. عندما كان التصويت يجري بشأن التأييد وعدم التأييد على الحرب في العراق في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل حوالي الخمس سنوات, كان السيناتور أوباما من الفئة المعارضة للحرب, بينما كانت منافسته هيلري, تقف في صف الحكومة بشن الحرب على العراق. هذا الإختلاف في الموقفين, بات يأتي بنتيجة مثمرة في هذا العام الإنتخابي. كما هو معلوم أن الولايات المتحدة تواجه مواقفا صعبة للغاية في العراق, وتوصف حالتها على أنها غارقة في "وحل" المقاومة الشرسة الإستشهادية.

هذا الأمر يؤثر على الرأي العام الأمريكي بصورة جنونية. فالمواطن الأمريكي ليس ساذجا الى درجة أن يرسل الى هلاكه تلبية لطلب من الرئيس جورج بوش وزمرته من أجل "تحرير" العراق. الكثير من المصوتين في الحزب الديموقراطي, ينظرون الى الرئيس الجديد على أنه الذي سيعيد الجنود الى البلاد, وسيسعى لتصليح الولايات المتحدة الأمريكية من الداخل, وسيقدم للشعب الأمريكي مستقبلا أفضل.

الكثيرون يعتقدون أن أوباما هو الرجل المناسب للمنصب المناسب, فحملة التغيير التي يسير عليها ويتغنى بها, هي جوهر الإندفاع وراءه. المواطنون يردون إحداث فروق كبيرة, يريدون عدم الخوض في الحروب مجددا, يردون أن يعيشوا بسلام, ودون خوف مستمر, والأهم أن لا يكونوا ذريعة من أجل فرض "سيطرة" الولايات المتحدة على الدول والشعوب الأخرى في مختلف أنحاء العالم.

حملة أوباما مليئة بالشباب, والعطاء, وهذا يفسر تنامي التأييد الذي يلاقيه في ولايات أمريكية تشير الإحصائات فيها الى ان تأييد أوباما قليل نسبيا, الا أن الحقيقة كانت غير ذلك, فقد إستطاع بطريقته الجادة أن يحدث فرقا لدى الجماهير, وأن يجعلهم يثقون بخططه المستقبلية الواعدة نحو التغيير.

كما هي العادة في كل حملة إنتخابات في الغرب عامة, لا بد وأن تذكر ملفات كثيرة خصوصا في المحاورات التنافسية بين المترشحين, تلك الحوارات التي تجري على الهواء مباشرة أمام ملايين المشاهدين. كلنا نذكر ذلك الحوار الشهير الذي دار بين المترشحين في الإنتخابات الفرنسية قبل عام, والذي جمع نيكولا ساركوزي, الرئيس الفرنسي الحالي, بالسيدة سيجولين رويال. حيث طرحت عدة ملفات, منها ملف إيران والطاقة النووية والتسلح النووي, ونذكر كيف كان الحوار يأخذ أشكالا من التوتر. حتى لجأ ساركوزي الى طرح أسئلة حول الشرق الأوسط, وعن كيفية حماية إسرائيل, من الدول المعادية لفرنسا وللغرب.

الأمر يشابه الذي يحدث هذا العام في الولايات المتحدة الأمريكية, حيث أن كلا من أوباما وكلينتون إجتمعا في حوار مباشر, وقد طرحت أسئلة وملفات كثيرة, كما كانت لإسرائيل وقتها الخاص في ذلك الحوار, والأمر المتوقع كان أن الطرفان ينظران في نفس الإتجاه في ما يتعلق بمصلحة وأمن إسرائيل.

يذكر أوباما أنه يلقى دعما كبيرا من اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة, كما أعرب أنه يكن الإمتنان والإحترام لدولة إسرائيل, صديقة الولايات المتحدة في المنطقة. هذا الأمر لم يكن مختلفا لدى منافسته كلينتون, ولا حتى لدى منافسهما في الحزب الجمهوري, فكلهم يسعون من أجل مصلحة إسرائيل فوق أي مصلحة أخرى لهم في المنطقة.

في المقابل, فقد رأينا أوباما يتوجه نحو الوسطية في تصريحاته التي تتعلق بالدول العربية والإسلامية. لم ينكر الرجل أن لإسم أبيه علاقة بالدين الإسلامي, حيث أنه ذكر في إحدى الخطابات, أنه يذكر في صغره زيارة لدولة إسلامية, ويذكر كلمة "أهلا" في لغة تلك الدولة, وهذا أمر إيجابي. بذلك يوضح لنا أوباما, أن علاقته بالدول الإسلامية لها إيجابية خصوصا عندما يتعلق الأمر بالحوار بين الولايات المتحدة وبين الدول الإسلامية والعربية.

في تصريح له ذكر أنه إن فاز في الإنتخابات, فسوف يقيم قمة تجمع بين الولايات المتحدة والدول الإسلامية. أوباما يطمح لجعل العلاقة المتوترة بين الدول الإسلامية وبين الولايات المتحدة الأمريكية, علاقة وطيدة مسالمة.

لو أقفنا في نهاية هذا العام الحالي, ورأينا على شاشة التلفاز رجلا شابا, أسمر البشرة, يتحدث ويلقي بخطاب الى الشعب الأمريكي وشعوب العالم كلها, مهنئا بعام جديد على العالم كله, وأمعنا النظر في ما يكتب أسفل الشاشة وإذا بنا نرى أنه رئيس الولايات المتحدة, باراك أوباما. فما الذي سيحدث عندها, هل سنرى بصيص نور التغيير, هل ستنتهي الحرب في العراق, هل سيحدث تغيير في الشرق الأوسط, في فلسطين ولبنان, هل سيطبق حينها المثال القائل: الرجل الأسود في البيت الأبيض؟!.

Friday, December 29, 2006

افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة

وقح لكنه صريح

لطالما اعتبرت المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية, أناس تطوف في عقولهم وتصرفاتهم وأفكارهم, إطارات من عنصر وحيد هو الوقاحة, إلا أني أدركت أني اغفل الجانب الأخر من الأمر كله. فهم (الإسرائيليين), يحافظون دائما على توازن في أحاديثهم وخصوصا تلك الحواريات التي يجرونها على قنوات تلفزيونية, ومحطات إذاعية, وحتى في الصحف, فنجدهم يعرضون رأيهم – وان كان وقحا – بكل صراحة ودون خوف من احد ودون مراجعة احد, لأنهم وفي تقديري, استقلاليين, فلا ينتظرون أن يمنحهم كبيرهم الإذن بالكلام.

وعلى الرغم من أن الصحافة الإسرائيلية, تطمح بداية ونهاية في كل إطاراتها أن تعرض الرأي الذي يتماشى مع مصالحها, إلا أن هناك الكثير من الأصوات (اليهودية), تنادي بعكس ذلك, ورغم أنها غير محبذة عند الرأي العام إلا أنها مسموعة بوضوح. تلقى هذه الأصوات المتاعب والانتقادات المستمرة, بل وتحرم من مشاركة اجتماعية واقتصادية على المستوى الفردي, ولكنها تبقى مسموعة. الأصوات التي تنادى بإقامة دولتين بجانب بعضهما البعض ما هي إلا أصوات أحزاب تسعى في مجمل مسيراتها إلى نشر العدالة الاجتماعية لدى جميع المواطنين في إسرائيل, وتأتي العدالة في أشكال متعددة, ففي إسرائيل هناك الفئات والأقليات التي تضطهد فرديا وبشكل مستمر, وهناك التعصب ضد هذه الأقليات, وعلى الرغم من ذلك فان لهذه الأقليات أيضا صوت مسموع دائما, وان كان ضعيفا فهو يحمل في طياته أفكارا وآراء على كل الجوانب المتصارعة أن تحترمه من منطلق حرية التعبير.

المسئول الإسرائيلي هو شخص عادي, فهو مواطن كما هو المواطنون الآخرون, يسمع ويتكلم ويبدي راية الشخصي المنطقي, إن كان في بعض الأحيان يمس أقليات أو يجرح أشخاصا يردون عليه بكلام يجرحه, ولكنه في نهاية المطاف "إنسان" يمتلك تلك المحفزات والمشاعر التي تملي عليه تصرفاته. من خلال تلك المشاعر يمكن معرفة وجهته السياسية وردود افعاله تجاه امور حساسة, كالعرب الذين يعيشون في إسرائيل وحقوقهم, وهم ليسوا بأقلية فهم يفوقون الخمس وعشرون في المئة من الدولة, او كوضع الفساد والخسارة في الحرب ضد حزب الله. هذه الامور وغيرها, يمكن ان نعرفها ونلمسها من خلال محادثات وجدال مع احد المسئولين الإسرائيليين, فهو يقدر ويفكر ويستطيع ان يتجاوب مع الواقع. وعلى الرغم من ان الرؤية العامة لاي حديث مع مسئول اسرائيلي, ستعتبر وقاحة – باعتباره إسرائيليا – الا ان هذا الموقف متغير دائما ويكاد يكون صراحة بدل الوقاحة, وواقعا بدل الكذب, وحقيقة بدل اتهامه في ترويج الأحلام "الصهيونية", والتي استمرت وما زالت منذ عقود طويلة.

الوقاحة, تلك الصفة التي نطلقها على كل مسئول اسرائيلي يتحدث عن امور تخص العرب, وتخص الشئون العربية الداخلية, كسلاح حزب الله مثلا. فالمسئول الاسرائيلي, الذي جاء الى البلاد على متن سفينة وهو يرتجف من الجوع والمهانة, اصبح يتحدث عن شان لبنان الداخلي واصبح يعطي رايه واوامره واعتقاداته وتخميناته ونظرة المستقبلية إن لم ينزح سلاح حزب الله, في هذه الحالة فان الشعور العام وليس العربي فقط سيكون عبارة عن وصف هذه التصريحات من أي مسئول اسرائيلي بانها وقاحة وقلت ادب. وعلى الجهة الاخرى من هذه الامور, فان الوقاحة يمكن لها ان تكون صراحة, ليس بالمعنى الحرفي للكلمة, ولكن بالمعنى الجوهري لها, وهذا هو الامر الخطير في هذه القصة كلها. الفكرة من وراء كل هذا المقال اتتني عندما كنت اقلب قنوات التلفاز, واذا بي اقلب القناة الى القناة العاشرة الاسرائيلية, كانت تبث برناج يقدمه صحفيان اسرائيليان, وانا اتردد على هذا البرنامج لانه يتطرق الى الوضع في اسرائيل والعرب والشأن الاسلامي الدولي ايضا, فارى وجهة نظر الاعلام الاسرائيلي كل يومين تقريبا, واحلل الوضع كل يومين, رغم ان البرنامج يعرض كل يوم. في هذا البرنامج يستضيفون شخصيات كثيرة, منهم يهود وعرب واخرون, منهم مسئولين ومدراء مدارس واساتذة جامعات واعضاء في الكنيست. في حلقة ما كان الحديث عن التطور الذي يحصل في الخليج العربي وعن التصعيد الامريكي في بدئ مناورات عسكرية وبموافقة دول الخليج بل ودعم هذه المناورات, وبالرغم من ان هذا الامر هو مزعج حقا فان الازعاج ازداد مع الانباء الواردة عن الإيرانيين حيث انهم استعدوا هم ايضا الى تصعيد مماثل, فبادروا باطلاق صواريخهم وبتحضير انفسهم للرد.

وكان موضوع الحلقة ايضا, الملف النووي الايراني, وكم كثر الحديث عن هذا الملف حتى كتب عنه مجلدات. ومن منطلق ان الرؤية العامة للاعلام الاسرائيلي تحتم على الموضوع ان يصب في مصالح الدولة العبرية فكان لا بد ان يكون الحوار ضد الملف النووي, وضد التقدم في هذا الشان, وبالرغم من ان هذا ما حصل بالفعل الى انهم عرضوا في البرنامج, صورا من وكالات انباء تصور في ايران حول الملف النووي وقد تحدث فيها ايرانيون مختصون في الاسلحة النووية حول الموضوع وقالوا ان هناك تقدما في هذا الشان والذي يخدم الطب, حيث ان استخدام الماء الثقيل بدل الماء الطبيعي, هو حل لمشاكل السكري او القلب ولا اذكر أي امراض اخرى ذكرت. وكان تعليق الصحفيين, انهم ابتسموا قليلا, ثم قال احدهم ان هذا ممكن, وقال انه لا يفهم في الطب لذلك فهناك امكانية لان تكون هذه التحليلات ممكنة. الرؤية العامة للصحافة الإسرائيلية طغت على الحلقة, ولكن ليس من قبل المذيعين وانما من خلال استضافة عضو الكنيست ونائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرائيم سنيه.

تحدث سنيه وهو في الاصل طبيب, عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها واستمر بهذه الاسطوانة حتى مل منه المذيع ودخل في صلب الموضوع وهو الملف النووي الإيراني. في البداية بدأ يتحدث عن المخاطر التي تحوم فوق الكيان الصهيوني من الخطر النووي الإيراني متناسيا حق إيران بالتطور والازدهار والانفتاح, وغير مبال بشعب عريق, يحمل قيما واخلاقا دافع عنها طوال عقود. سنيه, لم يتطرق الى الهدف السلمي من المفاعلات النووية الايرانية بالرغم من انه طبيب ولم يتطرق الى الاهداف الهدامة من المفاعلات النووية الاسرائيلية في ديمونا والتي كانت ثمرة العدوان الثلاثي على مصر. ولكنه تحدث عن الخطر الذي ينتظر اسرائيل, والدول التي تتماشى مع الخط الامريكي الاسرائيلي العام وكانت جملته القاتلة تلك حين فجرها على الشاشة, ولم اسمعها مترجمة او مدبلجة بل سمعتها بالعبرية, قال:" ان الخطر الايراني يهدد دول عربية ليست بينها وبين اسرائيل سلام {وليس بالضرورة علاقات}, وعلى هذه الدول ان تضع يديها بيد اسرائيل لمحاربة الخطر الايراني الذي يهدد المنطقة". كانت هذه كلمات افرائيم سنيه وقد سمعتها باذني حتى ان المذيع قال له ان محاربة الخطر الايراني لا يستوجب ان يكون هناك سلام بين اسرائيل والدول التي تشكو من ايران, فهناك علاقات تجارية وعلاقات وطيدة الى حد ما.

هذا ما استوقفني وجعلني افكر كيف اطرح الفكرة الى ان وجدت ان هذه التصريحات ما هي الا وقاحة بنظري, فنائب وزير الدفاع, ولد قبل قيام الدولة العبرية وهو الان يتحدث وبكل وقاحة عن خطر يهدد حياة الدولة اللقيطة, بل يحدد سياسة دولية ضد ايران. والاوقح من ذلك انه يفكر في التعاون مع الدول التي تشكوا من ايران, ولكن هذه هي المعضلة بحد ذاتها. فمن جهة هو تطاول على ايران والسياسة الايرانية الداخلية وهذا ما اعتبره وقاحة, ومن جهة اخرى فهو تكلم بمنتهى الصراحة, عن القوى التي يمكن ان تتعاون مع اسرائيل لضرب ايران. ومن هذا المنطلق اسميت هذه المقالة, افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة, وذلك لاني اصدق ما قاله كلمة بكلمة, لانه تكلم بصراحة لكنه في ذات الوقت كان وقحا (بيندب في عينه رصاصة). سنيه ليس مذنبا بقدر الذين تحدث عنهم, فلو ان احدا منهم لديه ذرة من الكرامة لما استطاع ان يفكر فيه اصلا, ولكن الاقنعة تزول ويبقى الوجه الحقيقي مهما تغيرت الظروف ومهما اشتدت الصعاب.

Friday, December 22, 2006

مسجد الناصر .. صمود وشموخ

شامخ رغم أنف الحاقدين


ليس كأي مسجد هدم من قبل آلة الحرب الإسرائيلية بذريعة إختباء مقاتلين فيه, وليس كمثل المساجد الأخرى التي تحمل أسماء ولا تمت بالضرورة الى واقع المسجد, فمسجد النصر الواقع في بيت حانون, اسم على مسمى وإن هدم فقد إنتصر.

بني هذا المسجد قبل ثمانية قرون بأيدي وسواعد أبناء المنطقة, وسمي بهذا الإسم تيمنا وإفتخارا بالنصر الذي حققه المسلمون على الصليبيين قبل ثمانية قرون وأكثر, في معركة سميت بمعركة أم النصر والتي جرت أحداثها بين غزة اليوم وعسقلان. وقد بني هذا المسجد عام 637 هجرية, وبقي حتى يومنا هذا وما زال شامخا مئذنته رغم أن معظمه دمر على يد الإحتلال الإسرائيلي في الإجتياح الأخير على القطاع.

الشيخ أبو زريق, إمام المسجد, اعرب عن أسفه وحزنه على ما جرى للمسجد. ويردد الشيخ الرواية التي عاش أحداثها خلال الإجتياح التي أخبرها لوكالات الأنباء حيث حكى لهم عن كيفية هدم المسجد على من فيه.

يقول أبو زريق أن جيش الإحتلال لم يأت لكي يقضي على المقاتلين بشكل خاص فقد قتل أطفالا ونساء وشيوخا, وقد هدم مسجدا دون ان يقترف المسجد أي ذنب ودون أن يهاجم المسجد أي جندي إسرائيلي. ولعل جمل هذا الشيخ, إمام مسجد النصر وهي الجمل التي تلخص وتعبر عن واقع الإستراتيجية لدى العسكري الإسرائيلي, ولعل هذا الأمر يعود فينا لنفكر قليلا ونعود الى كتب علم النفس لنرى دوافع هذه التصرفات في لحظات حلكة وصعبة, وكيف لها أن تعكس صورة الجندي الإسرائيلي لا سيما الجندي يهدم مسجدا على من فيه والجندي الذي لا يفرق بين مقاتل وطفل من أطفال بيت حانون.

الجندي الإسرائيلي والذي ترعرع على أيدي أمهر جزاري القرن الماضي, والذي فتحت له أبواب النجاح على مصراعيها, هو ذاته الجندي الذي أعد لنفسه صورة الجندي الذي لا يقهر الى أن غيرت هذه الصورة حين خاض حربا ضد "مغامرة" قام بها رجال المقاومة الإسلامية في لبنان ليثبت للعالم أجمع ان التدريب والعتاد والعقود التي عاشها الجندي الإسرائيلي في وهم الجندي الذي لا يقهر, كانت هراء وكلاما لا يتعدى حدود الورق الذي كتب عليه.

تصرفات الجندي الإسرائيلي, ما هي إلا أنعكاس للجمهور الإسرائيلي. تلك التصرفات التي لا أجد لها وصفا محدد, فتارة تكون إرهابية بكل ما للكلمة من معنى , وتراة أجدها وحشية وتارة أجدها همجية, بإختصار دعوني أطلق عليها, تصرفات إسرائيلية.

إنه لمن الخطأ التصديق بأن التصرفات الهمجية التي تقوم بها القوة العسكرية الإسرائيلية, دفاعا عن النفس. لأنها تفتقر الى المصداقية أمام أطفال بيت حانون وقانا وغيرها من المناطق. فهي ليست دفاعا عن النفس, وإنما تغطية لجرائم وحشية همجية, ضاربة عرض الحائط كل الإتفاقيات الدولية التي تحرم التعرض للمدنيين في الحروب.

العقلية المتعجرفة للجندي الإسرائيلي والتي تكدست على مر السنوات الماضية والتي دعمت من قبل الغرب بعد العدوان الثلاثي, مرمغت في تراب بنت جبيل, ومارون الراس, وعيترون. حيث صار الجندي الإسرائيلي يتمنى أن يعود جنينا في بطن أمه. لكن الدرس الأخير لم يكن كافيا لدى الجنرالات الإسرائيليين, فما أن أتيحت الفرصة حتى رأينا جيش الإحتلال بأكمله يحاصر بيت حانون ويقصفها ويضيفها الى قائمة المجازر, بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

أما الجندي الإسرائيلي, والذي ما زال يتعالج لدى أطباء النفس وإختصاصيي الطب النفسي, فإنه يفكر في الإنتقام من خسارته الفادحة في حرب لبنان الثانية, والسعي في تدريبات لعله بعدها يخوض في حرب لبنان جديدة.

ها هو الجندي الإسرائيلي, وها هي آلة الحرب الإسرائيلية يتماديان ضد الشعب الأعزل, لتصل درجة الوقاحة الى أن يهدم مسجد على من فيه من محتمين ومختبئين. وكلمة وقاحة تطابق تماما هذه الفعلة الشنيعة, فالإمام أبو زريق صدق حين قال أن الجيش لم يأتي فقط للقضاء على المقاتلين, فقد قتل الأطفال والنساء والشيوخ, وحتى أناس عاديون إحتموا في المسجد والتفسير المنطقي لهذه الخطوات من جيش الإحتلال هو التفريغ النفسي عن الأعصاب التي لم تستحمل أن تقوم ثلة من شباب المقاومة الإسلامية في لبنان تعليقهم بين الجحيم والنار طيلة ثلاة وثلاثين يوما.

هدم المسجد ليس إلا محطة تفريغ أمراض نفسية كانت أعراضها العجز العربي عن صد هذه "القوة" التي لا تقهر وكان العلاج عند حزب الله. الا ان الجرعة التي أسقاها رجال الله في الميدان للجندي الإسرائيلي, جعلت الجنود الإسرائيليين يتعطشون الى جرعات أخرى. هذا التعطش تحول الى كلب مسعور, تمثل في الدبابة التي لم تجد نفسها في بيروت كما وعد أولمرت وإنما فوق أنقاض أطفال بيت حانون لتثبت أنها أحط وأنذل آلة حرب عسكرية.

دمر المسجد كاملا وبقيت المئذنة وبقي أسمه يعلو رغم أنف الإحتلال, فمسجد النصر لم يبنى على فائض اموال مصاصي الدماء كما في أماكن أخرى, ولم يبنى تخليدا لذكرى شخص ما, بل بني من أجل أن تقام فيه الصلاة, وأن ترفع فيه كلمة الله.

أبو مازن توعد بإصلاح المسجد, وعسى أن يفعل ذلك. مأذنة المسجد خير دليل على شموخه رغم الحصار والإحتلال والإجتياح, مأذنته تعبر عن النضال والكفاح, رغم هدم المسجد كله, إلا أن المئذنة تشهد على النضال والكفاح سابقا وحديثا, تدل على دماء الشهداء, وعلى التضحيات العظيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني كل يوم, فهي مئذنة مسجد النصر.