Friday, December 29, 2006

افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة

وقح لكنه صريح

لطالما اعتبرت المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية, أناس تطوف في عقولهم وتصرفاتهم وأفكارهم, إطارات من عنصر وحيد هو الوقاحة, إلا أني أدركت أني اغفل الجانب الأخر من الأمر كله. فهم (الإسرائيليين), يحافظون دائما على توازن في أحاديثهم وخصوصا تلك الحواريات التي يجرونها على قنوات تلفزيونية, ومحطات إذاعية, وحتى في الصحف, فنجدهم يعرضون رأيهم – وان كان وقحا – بكل صراحة ودون خوف من احد ودون مراجعة احد, لأنهم وفي تقديري, استقلاليين, فلا ينتظرون أن يمنحهم كبيرهم الإذن بالكلام.

وعلى الرغم من أن الصحافة الإسرائيلية, تطمح بداية ونهاية في كل إطاراتها أن تعرض الرأي الذي يتماشى مع مصالحها, إلا أن هناك الكثير من الأصوات (اليهودية), تنادي بعكس ذلك, ورغم أنها غير محبذة عند الرأي العام إلا أنها مسموعة بوضوح. تلقى هذه الأصوات المتاعب والانتقادات المستمرة, بل وتحرم من مشاركة اجتماعية واقتصادية على المستوى الفردي, ولكنها تبقى مسموعة. الأصوات التي تنادى بإقامة دولتين بجانب بعضهما البعض ما هي إلا أصوات أحزاب تسعى في مجمل مسيراتها إلى نشر العدالة الاجتماعية لدى جميع المواطنين في إسرائيل, وتأتي العدالة في أشكال متعددة, ففي إسرائيل هناك الفئات والأقليات التي تضطهد فرديا وبشكل مستمر, وهناك التعصب ضد هذه الأقليات, وعلى الرغم من ذلك فان لهذه الأقليات أيضا صوت مسموع دائما, وان كان ضعيفا فهو يحمل في طياته أفكارا وآراء على كل الجوانب المتصارعة أن تحترمه من منطلق حرية التعبير.

المسئول الإسرائيلي هو شخص عادي, فهو مواطن كما هو المواطنون الآخرون, يسمع ويتكلم ويبدي راية الشخصي المنطقي, إن كان في بعض الأحيان يمس أقليات أو يجرح أشخاصا يردون عليه بكلام يجرحه, ولكنه في نهاية المطاف "إنسان" يمتلك تلك المحفزات والمشاعر التي تملي عليه تصرفاته. من خلال تلك المشاعر يمكن معرفة وجهته السياسية وردود افعاله تجاه امور حساسة, كالعرب الذين يعيشون في إسرائيل وحقوقهم, وهم ليسوا بأقلية فهم يفوقون الخمس وعشرون في المئة من الدولة, او كوضع الفساد والخسارة في الحرب ضد حزب الله. هذه الامور وغيرها, يمكن ان نعرفها ونلمسها من خلال محادثات وجدال مع احد المسئولين الإسرائيليين, فهو يقدر ويفكر ويستطيع ان يتجاوب مع الواقع. وعلى الرغم من ان الرؤية العامة لاي حديث مع مسئول اسرائيلي, ستعتبر وقاحة – باعتباره إسرائيليا – الا ان هذا الموقف متغير دائما ويكاد يكون صراحة بدل الوقاحة, وواقعا بدل الكذب, وحقيقة بدل اتهامه في ترويج الأحلام "الصهيونية", والتي استمرت وما زالت منذ عقود طويلة.

الوقاحة, تلك الصفة التي نطلقها على كل مسئول اسرائيلي يتحدث عن امور تخص العرب, وتخص الشئون العربية الداخلية, كسلاح حزب الله مثلا. فالمسئول الاسرائيلي, الذي جاء الى البلاد على متن سفينة وهو يرتجف من الجوع والمهانة, اصبح يتحدث عن شان لبنان الداخلي واصبح يعطي رايه واوامره واعتقاداته وتخميناته ونظرة المستقبلية إن لم ينزح سلاح حزب الله, في هذه الحالة فان الشعور العام وليس العربي فقط سيكون عبارة عن وصف هذه التصريحات من أي مسئول اسرائيلي بانها وقاحة وقلت ادب. وعلى الجهة الاخرى من هذه الامور, فان الوقاحة يمكن لها ان تكون صراحة, ليس بالمعنى الحرفي للكلمة, ولكن بالمعنى الجوهري لها, وهذا هو الامر الخطير في هذه القصة كلها. الفكرة من وراء كل هذا المقال اتتني عندما كنت اقلب قنوات التلفاز, واذا بي اقلب القناة الى القناة العاشرة الاسرائيلية, كانت تبث برناج يقدمه صحفيان اسرائيليان, وانا اتردد على هذا البرنامج لانه يتطرق الى الوضع في اسرائيل والعرب والشأن الاسلامي الدولي ايضا, فارى وجهة نظر الاعلام الاسرائيلي كل يومين تقريبا, واحلل الوضع كل يومين, رغم ان البرنامج يعرض كل يوم. في هذا البرنامج يستضيفون شخصيات كثيرة, منهم يهود وعرب واخرون, منهم مسئولين ومدراء مدارس واساتذة جامعات واعضاء في الكنيست. في حلقة ما كان الحديث عن التطور الذي يحصل في الخليج العربي وعن التصعيد الامريكي في بدئ مناورات عسكرية وبموافقة دول الخليج بل ودعم هذه المناورات, وبالرغم من ان هذا الامر هو مزعج حقا فان الازعاج ازداد مع الانباء الواردة عن الإيرانيين حيث انهم استعدوا هم ايضا الى تصعيد مماثل, فبادروا باطلاق صواريخهم وبتحضير انفسهم للرد.

وكان موضوع الحلقة ايضا, الملف النووي الايراني, وكم كثر الحديث عن هذا الملف حتى كتب عنه مجلدات. ومن منطلق ان الرؤية العامة للاعلام الاسرائيلي تحتم على الموضوع ان يصب في مصالح الدولة العبرية فكان لا بد ان يكون الحوار ضد الملف النووي, وضد التقدم في هذا الشان, وبالرغم من ان هذا ما حصل بالفعل الى انهم عرضوا في البرنامج, صورا من وكالات انباء تصور في ايران حول الملف النووي وقد تحدث فيها ايرانيون مختصون في الاسلحة النووية حول الموضوع وقالوا ان هناك تقدما في هذا الشان والذي يخدم الطب, حيث ان استخدام الماء الثقيل بدل الماء الطبيعي, هو حل لمشاكل السكري او القلب ولا اذكر أي امراض اخرى ذكرت. وكان تعليق الصحفيين, انهم ابتسموا قليلا, ثم قال احدهم ان هذا ممكن, وقال انه لا يفهم في الطب لذلك فهناك امكانية لان تكون هذه التحليلات ممكنة. الرؤية العامة للصحافة الإسرائيلية طغت على الحلقة, ولكن ليس من قبل المذيعين وانما من خلال استضافة عضو الكنيست ونائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرائيم سنيه.

تحدث سنيه وهو في الاصل طبيب, عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها واستمر بهذه الاسطوانة حتى مل منه المذيع ودخل في صلب الموضوع وهو الملف النووي الإيراني. في البداية بدأ يتحدث عن المخاطر التي تحوم فوق الكيان الصهيوني من الخطر النووي الإيراني متناسيا حق إيران بالتطور والازدهار والانفتاح, وغير مبال بشعب عريق, يحمل قيما واخلاقا دافع عنها طوال عقود. سنيه, لم يتطرق الى الهدف السلمي من المفاعلات النووية الايرانية بالرغم من انه طبيب ولم يتطرق الى الاهداف الهدامة من المفاعلات النووية الاسرائيلية في ديمونا والتي كانت ثمرة العدوان الثلاثي على مصر. ولكنه تحدث عن الخطر الذي ينتظر اسرائيل, والدول التي تتماشى مع الخط الامريكي الاسرائيلي العام وكانت جملته القاتلة تلك حين فجرها على الشاشة, ولم اسمعها مترجمة او مدبلجة بل سمعتها بالعبرية, قال:" ان الخطر الايراني يهدد دول عربية ليست بينها وبين اسرائيل سلام {وليس بالضرورة علاقات}, وعلى هذه الدول ان تضع يديها بيد اسرائيل لمحاربة الخطر الايراني الذي يهدد المنطقة". كانت هذه كلمات افرائيم سنيه وقد سمعتها باذني حتى ان المذيع قال له ان محاربة الخطر الايراني لا يستوجب ان يكون هناك سلام بين اسرائيل والدول التي تشكو من ايران, فهناك علاقات تجارية وعلاقات وطيدة الى حد ما.

هذا ما استوقفني وجعلني افكر كيف اطرح الفكرة الى ان وجدت ان هذه التصريحات ما هي الا وقاحة بنظري, فنائب وزير الدفاع, ولد قبل قيام الدولة العبرية وهو الان يتحدث وبكل وقاحة عن خطر يهدد حياة الدولة اللقيطة, بل يحدد سياسة دولية ضد ايران. والاوقح من ذلك انه يفكر في التعاون مع الدول التي تشكوا من ايران, ولكن هذه هي المعضلة بحد ذاتها. فمن جهة هو تطاول على ايران والسياسة الايرانية الداخلية وهذا ما اعتبره وقاحة, ومن جهة اخرى فهو تكلم بمنتهى الصراحة, عن القوى التي يمكن ان تتعاون مع اسرائيل لضرب ايران. ومن هذا المنطلق اسميت هذه المقالة, افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة, وذلك لاني اصدق ما قاله كلمة بكلمة, لانه تكلم بصراحة لكنه في ذات الوقت كان وقحا (بيندب في عينه رصاصة). سنيه ليس مذنبا بقدر الذين تحدث عنهم, فلو ان احدا منهم لديه ذرة من الكرامة لما استطاع ان يفكر فيه اصلا, ولكن الاقنعة تزول ويبقى الوجه الحقيقي مهما تغيرت الظروف ومهما اشتدت الصعاب.

Friday, December 22, 2006

مسجد الناصر .. صمود وشموخ

شامخ رغم أنف الحاقدين


ليس كأي مسجد هدم من قبل آلة الحرب الإسرائيلية بذريعة إختباء مقاتلين فيه, وليس كمثل المساجد الأخرى التي تحمل أسماء ولا تمت بالضرورة الى واقع المسجد, فمسجد النصر الواقع في بيت حانون, اسم على مسمى وإن هدم فقد إنتصر.

بني هذا المسجد قبل ثمانية قرون بأيدي وسواعد أبناء المنطقة, وسمي بهذا الإسم تيمنا وإفتخارا بالنصر الذي حققه المسلمون على الصليبيين قبل ثمانية قرون وأكثر, في معركة سميت بمعركة أم النصر والتي جرت أحداثها بين غزة اليوم وعسقلان. وقد بني هذا المسجد عام 637 هجرية, وبقي حتى يومنا هذا وما زال شامخا مئذنته رغم أن معظمه دمر على يد الإحتلال الإسرائيلي في الإجتياح الأخير على القطاع.

الشيخ أبو زريق, إمام المسجد, اعرب عن أسفه وحزنه على ما جرى للمسجد. ويردد الشيخ الرواية التي عاش أحداثها خلال الإجتياح التي أخبرها لوكالات الأنباء حيث حكى لهم عن كيفية هدم المسجد على من فيه.

يقول أبو زريق أن جيش الإحتلال لم يأت لكي يقضي على المقاتلين بشكل خاص فقد قتل أطفالا ونساء وشيوخا, وقد هدم مسجدا دون ان يقترف المسجد أي ذنب ودون أن يهاجم المسجد أي جندي إسرائيلي. ولعل جمل هذا الشيخ, إمام مسجد النصر وهي الجمل التي تلخص وتعبر عن واقع الإستراتيجية لدى العسكري الإسرائيلي, ولعل هذا الأمر يعود فينا لنفكر قليلا ونعود الى كتب علم النفس لنرى دوافع هذه التصرفات في لحظات حلكة وصعبة, وكيف لها أن تعكس صورة الجندي الإسرائيلي لا سيما الجندي يهدم مسجدا على من فيه والجندي الذي لا يفرق بين مقاتل وطفل من أطفال بيت حانون.

الجندي الإسرائيلي والذي ترعرع على أيدي أمهر جزاري القرن الماضي, والذي فتحت له أبواب النجاح على مصراعيها, هو ذاته الجندي الذي أعد لنفسه صورة الجندي الذي لا يقهر الى أن غيرت هذه الصورة حين خاض حربا ضد "مغامرة" قام بها رجال المقاومة الإسلامية في لبنان ليثبت للعالم أجمع ان التدريب والعتاد والعقود التي عاشها الجندي الإسرائيلي في وهم الجندي الذي لا يقهر, كانت هراء وكلاما لا يتعدى حدود الورق الذي كتب عليه.

تصرفات الجندي الإسرائيلي, ما هي إلا أنعكاس للجمهور الإسرائيلي. تلك التصرفات التي لا أجد لها وصفا محدد, فتارة تكون إرهابية بكل ما للكلمة من معنى , وتراة أجدها وحشية وتارة أجدها همجية, بإختصار دعوني أطلق عليها, تصرفات إسرائيلية.

إنه لمن الخطأ التصديق بأن التصرفات الهمجية التي تقوم بها القوة العسكرية الإسرائيلية, دفاعا عن النفس. لأنها تفتقر الى المصداقية أمام أطفال بيت حانون وقانا وغيرها من المناطق. فهي ليست دفاعا عن النفس, وإنما تغطية لجرائم وحشية همجية, ضاربة عرض الحائط كل الإتفاقيات الدولية التي تحرم التعرض للمدنيين في الحروب.

العقلية المتعجرفة للجندي الإسرائيلي والتي تكدست على مر السنوات الماضية والتي دعمت من قبل الغرب بعد العدوان الثلاثي, مرمغت في تراب بنت جبيل, ومارون الراس, وعيترون. حيث صار الجندي الإسرائيلي يتمنى أن يعود جنينا في بطن أمه. لكن الدرس الأخير لم يكن كافيا لدى الجنرالات الإسرائيليين, فما أن أتيحت الفرصة حتى رأينا جيش الإحتلال بأكمله يحاصر بيت حانون ويقصفها ويضيفها الى قائمة المجازر, بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

أما الجندي الإسرائيلي, والذي ما زال يتعالج لدى أطباء النفس وإختصاصيي الطب النفسي, فإنه يفكر في الإنتقام من خسارته الفادحة في حرب لبنان الثانية, والسعي في تدريبات لعله بعدها يخوض في حرب لبنان جديدة.

ها هو الجندي الإسرائيلي, وها هي آلة الحرب الإسرائيلية يتماديان ضد الشعب الأعزل, لتصل درجة الوقاحة الى أن يهدم مسجد على من فيه من محتمين ومختبئين. وكلمة وقاحة تطابق تماما هذه الفعلة الشنيعة, فالإمام أبو زريق صدق حين قال أن الجيش لم يأتي فقط للقضاء على المقاتلين, فقد قتل الأطفال والنساء والشيوخ, وحتى أناس عاديون إحتموا في المسجد والتفسير المنطقي لهذه الخطوات من جيش الإحتلال هو التفريغ النفسي عن الأعصاب التي لم تستحمل أن تقوم ثلة من شباب المقاومة الإسلامية في لبنان تعليقهم بين الجحيم والنار طيلة ثلاة وثلاثين يوما.

هدم المسجد ليس إلا محطة تفريغ أمراض نفسية كانت أعراضها العجز العربي عن صد هذه "القوة" التي لا تقهر وكان العلاج عند حزب الله. الا ان الجرعة التي أسقاها رجال الله في الميدان للجندي الإسرائيلي, جعلت الجنود الإسرائيليين يتعطشون الى جرعات أخرى. هذا التعطش تحول الى كلب مسعور, تمثل في الدبابة التي لم تجد نفسها في بيروت كما وعد أولمرت وإنما فوق أنقاض أطفال بيت حانون لتثبت أنها أحط وأنذل آلة حرب عسكرية.

دمر المسجد كاملا وبقيت المئذنة وبقي أسمه يعلو رغم أنف الإحتلال, فمسجد النصر لم يبنى على فائض اموال مصاصي الدماء كما في أماكن أخرى, ولم يبنى تخليدا لذكرى شخص ما, بل بني من أجل أن تقام فيه الصلاة, وأن ترفع فيه كلمة الله.

أبو مازن توعد بإصلاح المسجد, وعسى أن يفعل ذلك. مأذنة المسجد خير دليل على شموخه رغم الحصار والإحتلال والإجتياح, مأذنته تعبر عن النضال والكفاح, رغم هدم المسجد كله, إلا أن المئذنة تشهد على النضال والكفاح سابقا وحديثا, تدل على دماء الشهداء, وعلى التضحيات العظيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني كل يوم, فهي مئذنة مسجد النصر.

Friday, December 15, 2006

جوليا بطرس .. وقناة إسرائيل العاشرة

صورة من الفيديو كليب


أحبّائي..

إستمعتُ إلى رسالتِكم وفيها العِزُّ والإيمان

فأنتم مِثلما قُلتُمْ رجالُ اللهِ في المَيدان

ووعدٌ صادقٌ أنتُم وأنتُم نصرُنا الآتي

وأنتم من جبالِ الشمسِ عاتيةٌ على العاتي

بِكُم يتحرّر الأسرى بِكُم تتحرَّرُ الأرضُ

بقبضتِكم بغضبتِكم يُصان البيت والعِرضُ

بُناةُُ حضارةٍ أنتم وأنتم نهضةُ القيمِ

وأنتم خالدون كما خلودُ الأرز في القِممِ

وأنتم مجدُ أمَّتِنا وأنتم أنتمُ القادة

وتاجُ رؤوسِنا أنتم وأنتم أنتُم السادة

أحبّائي..

أقبِّلُ نُبْلَ أقدامٍ بها يتشرَّفُ الشَّرفُ

بِعزّةِ أرضِنا انغرسَتْ فلا تكبو وترتجفُ

بِكُم سنغيِّرُ الدُّنيا ويَسمعُ صوتَنا القدرُ

بِكُم نبني الغدَ الأحلى بِكُم نمضي وننتصرُ
* * * * *

كلمات تمت بالاشتراك مع الشاعر غسان مطر والملحن زياد بطرس من رسالة السيد حسن نصر الله للمقاومين على الجبهة في الحرب الأخيرة على لبنان. كانت هذه كلمات العمل الفني الذي قامت به الفنانة الملتزمة جوليا بطرس فور عودتها من دبي بعد الحرب الأخيرة. الفيديو كليب قامت بتصويره في بنت جبيل بين الركام وعلى الاطلال. لم تكن نبرة جوليا نبرة امراة انهزمت, رغم فظاعة الدمار الذي تصوره في كليبها, وانما كانت نبرتها نبرة امل وتفاؤل, نبرة قوة وعزم وارادة.

ليس غريبا على فنانة ملتزمة وقديرة, بحجم جوليا بطرس ان تقوم بعمل رائه تجاه وطنها, فهي فنانة قديرة, غنت من قبل للاقصى في انتفاضة الاقصى, كما انها تواصلت مع الفن والغناء الوطني الملتزم, ولم تكن بعيدة في غنائها العادي عن الخط الوطني. وليس غريبا ان تقتبس مغنية مسيحية كلمات لشيخ مسلم ألا وهو حسن نصر الله, فهي نهجت النهج الوطني, كما هو نصر الله, فلم ينظر احد منهم الى القضية باسرها قضية طائفية, وانما نظروا لها نظرة وطنية, فجوليا قامت بالغناء من واجبها الوطني وليس اكثر. لكن الغريب في الامر هو ان شركة كبيرة وهي بالاحرى الشركة الموسيقية الاكبر في العالم العربي, من ان ترعى هذه الاغنية, حيث ان جوليا صرحت بنفسها حول هذا الموضوع ملمحة الى ان روتانا لم تاخذ العمل بشكل جدي, لذلك كان على جوليا ان تتصرف بنفسها في توزيع الاغنية.

كلمات رائعة, الهمت كل من سمعها بروح حسن نصر الله وصوت جوليا بطرس الذي يعبر عن الوطنية الصريحة والفن الراقي, وهذه شهادة يسجلها التاريخ لصالح جوليا, وهذه جزء من الرسالة التي هي فرض على الفنان والمبدع, فالوطن هو جزء لا يتجزأ من الرسالة الفنية. وها هي جوليا تبدع وتعطي صوتها للمقاومة والوطن والجيل القادم, وهي رسالة ان قرأت وفهمت, فانها رسالة خالدة, تعبر عن انتصار الحق على الباطل, واندحار الزيف عن الحقيقة, وان النصر الساحق قادم. وعلى الرغم من ان هذا العمل قامت به جوليا قبل اكثر من شهر الا انني سمعتها مؤخرا وشاهدت الفيديو كليب على القناة العاشرة الاسرائيلية, حيث كان الموضوع هو ان نصر الله بدأ يجمع حوله الفنانين اللبنانيين, ومنهم جوليا بطرس رغم انها غير مسلمة. وهذا يدل على ان الاعلام العربي – باستثناء الجزيرة – قد اوضح صورته في عدم اظهار التاييد للمقاومة رغم ان فنانة مهمة مثل جوليا, تغني للمقاومة, فشكرا لجوليا والقناة الإسرائيلية العاشرة التي منحت مشاهديها هذا الفيديو كليب خلافا للقنوات العربية التي كانت تغني على نغمات المدافع والقاذفات الاسرائيلية.

Friday, December 08, 2006

تصريحات حسني .. وتعديلات مبارك

دافنينو سوا


مع وتيرة التصريحات التي أدلى بها وزير الثقافة المصري فاروق حسني, كانت اللحظة المرتقبة على أبوب التنفيذ. كانت وما زالت تلك اللحظة تختبئ في تصريحات فاروق حسني رغم ان التصريحات لازمت الشعب المصري والعربي والإسلامي بشكل عام منذ سنوات عديدة. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة, ففي أحلك اللحظات التي يمر بها الشعب المصري إثر فضائح التحرشات الجنسية الجماعية, يأتي وزير الثقافة المصري, فاروق حسني ليفجر قنبلة من العيار الثقيل, مست كل مواطن مصري وعربي ومسلم.

كانت كلمات فاروق, تبرئ وجهة نظره, بل الأحرى عن رأيه حول الحجاب الذي نعته بالسبب وراء تخلف المرأة المصرية التي تخلفت للوراء مئات السنين بسببه. وعلى الرغم من أن هذه التصريحات جاءت من شخص وتعبر عن رأيه, إلا أنها بدت كتيار سياسي جديد, هدفه إشعال فتنة ما في وقت عصيب تمر به مصر والعالم العربي. كانت تصريحاته أشبه بالتحريض على المحجبات حيث ضرب مثالا بزوجته التي لم يتزوجها بعد, وقال أنه سوف لن يسمح لها بإرتداء الحجاب.

ذلك المثال أمر مؤسف بحد ذاته, لأنه يدل على سطحية التفكير لدى الوزير, فالأمر يعتبر بحد ذاته تناقضا واضحا حيث أنه لم يبقي مجالا للشك بأنه سطحي ومتخلف. كيف له أن يدعي الحرية في كل شيء وهو في ذات الوقت يكبح حرية التعبير لدى "زوجته" بمنعها من إرتداء الحجاب. وعليه فإني أرى أن تصريحات حسني لم تكن مجرد نقد للحجاب, بل هي تغطية لأمر أدهي, وهي أي تصريحاته جاءت كغطاء ما, لأمر لا يراد التحدث عنه, فقام بأخذ خطوة كهذه والتهجم على الحجاب ليثير التساؤلات وليوجه الأقلام ضده وليوجه الرأي العام ضده.

في ذلك الوقت الذي كان فاروق حسني يمسك بدراع "الحرية" والظهور على الفضائيات ليبرر تصريحاته التي أدلى بها حول تخلف المرأة بسبب الحجاب. وفي الوقت الذي كان يجمع ويجند فيه أصواتا من زمرته ومن أشكاله, من طبقة الفنانين, ومن بينهم حسين فهمي الذي إنفتح كنافورة ماء ذات يوم عبر محطة المحور, وساند حسني فاروق في تصريحاته, ومن ثم جاء بعد يومين الى المحطة نادما آسفا حيث أنه إعترف أن إبنته محجبة, وكان وجهه كأسفل نعلي لا يوصف بالكلمات. في ذلك الوقت كان الرئيس محمد حسني مبارك يعد العدة ويجهز نفسه, بعد أن إنتهى من إعداد التعديلات الدستورية التي بقي أن يوافق عليها بالإجماع فقط.

هي لعبة سياسية محبوكة ومدبرة جيدا, فما المغزى من التوقيت المثير للدهشة. في السادس عشر من نوفمبر قام وزير الثقافة فاروق حسني بالإدلاء بتصريحاته, حيث أنه كان يوم خميس وهو يوم لذيذ لدى الشيوخ والخطباء الذين يحبون التحدث عن مواضيع كهذه في خطب الجمعة, وتقليب الرأي العام. بعد 72 ساعة فقط, وعندما عرف كل مواطن مصري بخبر الحجاب وفاروق, أعلن الرئيس حسني مبارك عن رزمة التعديلات الدستورية التي سيقوم بها وكان ذلك يوم سبت التاسع عشر من نوفمبر. ثلاثة أيام يستطيع أن يجند فيها رأيا عاما وأن يثير فتنة كبيرة والأهم أنه يستطيع أن يصنع ذلك الأفيون الذي جعل الرأي العام, ينسى ولو بشكل كبير وليس كلي, تعديلات حسني مبارك.

لو نظرنا الى المادة السادسة والسبعون والتي تتعلق بالإنتخابات, فإننا نرى ان الإخوان المسلمون في مصر سيحرمون من أمور عديدة, وقد ساعدت تصريحات فاروق حسني في إبعاد الأضواء عن التعديلات الدستورية خصوصا ان قضية الحجاب تثير سخط الإخوان قبل غيرهم من فئات الشعب. الأمر المحزن في تصريحات الرئيس حسني مبارك, حين قال أنه سيبقى في منصبه طالما أن في صدره قلب ينبض, ونفس يتردد.

Friday, December 01, 2006

فاطمة النجار .. جدة ومجاهدة

فاطمة النجار


لعمري لم أرى صورة أثر بي مضمونها أكثر من صورة فاطمة النجار من وكالات الأنباء التي تناقلت تلك الصور وذلك الشريط المسجل لتلك المرأة. وعلى الرغم من الأجواء العامة التي حلت مؤخرا على قطاع غزة, مرورا بمجزرة بيت حانون, وانتهاء باغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل, فان الضجة الإعلامية, والزوبعة الصحافية, لم تستحوذ على تأثيري الخاص أكثر من الخبر الذي هز تفكيري تماما, وأعاد خلط الأوراق من جديد, فلم اعد أدرك كيف سأنسق الموضوع, بل كيف سأبدأ ومن أين انتهي. هو خبر شاهدت لمحات منه على التلفاز, ولم أكن اعلم بتيقن محتواه وأبعاده, بل لم أكن اكترث حقا للعودة إليه, إلى أن تصادمت معه في الانترنت.

يقول الخبر: امرأة فلسطينية تفجر نفسها في قطاع غزة بالقرب من جنود إسرائيليين حيث أدت العملية إلى جرح ثلاثة جنود إسرائيليين وقد نقلوا إلى المستشفى اثر هذا التفجير, إلى هنا انتهى الخبر. ولكن لاحظت في التلفاز أنهم يعرضون شريطا مسجلا لامرأة يبدو عليها كبر السن, تلف على رأسها شريطا من القماش الأخضر كتب عليه, كتائب الأقصى. والأمر الغريب, أنها تحمل رشاشا من نوع أم 16, وفي الخلفية, صور ممزوجة ببعضها تشير إلى أنها صممت لكتائب عز الدين القسام.

من التلفاز لم افهم شيئا, لان الشريط عرض في لحظات معدودة حتى أن صوت المعلق الإسرائيلي كان يغطي على حديث المرأة. وعدت إلى الحاسوب, لأبحر في الانترنت, وشاء القدر أن اصطدم من أول لحظة بنفس الخبر, لكن المرة ليس له من مفر, فتريثت وقرأت الخبر وأيقنت معنى أن يتأثر الإنسان إلى ابعد الحدود, فكما ذكرت سلفا أني تأثرت أكثر مرة هذه الأيام عند قراءة هذا الخبر.

ليس بالأمر الجديد علي أن أرى شخصا قد ذهب ليستشهد في عملية تفجير ذاتية, فتلك الأخبار لطالما تصادمت معها في كل وسائل الإعلام والأنباء, ولطالما تأثرت بدرجات مختلفة بين حالة وأخرى, وليست تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها امرأة تقوم بتلك العمليات. ففي السابق كان للنساء دور في مثل هذه العمليات, اذكر ذات مرة أن حادث تفجير قوي أدى إلى قتل الكثير من الإسرائيليين بداخل إسرائيل, وكانت الفاعلة فتاة لم تبلغ التاسعة عشر من عمرها, واذكر أكثر من قصة رغم أني لا افلح في استرجاع احدها في الوقت الراهن, فتأثير الخبر, لخبط أموري.

وليس بغريب على الإطلاق أن نسمع عن مكان التفجير, ألا وهو حاجز امني على حدود قطاع عزة, تلك الحدود التي لم تكن على مر التاريخ إلى أن قامت الدولة العبرية على هذه الأرض, فحدود غزة, تحولت كلها منذ أعوام إلى قنابل موقوتة, تحتاج إلى من يضغط على الزناد لتفجر القنبلة في الجنود, وتفجر معها جسد المجاهد, وهذا ما حدث لفاطمة النجار. لكن الغريب هو سن الفاعل, ومركز الفاعل.

فاطمة النجار, تلك المراة القديرة, تبلغ من العمر السابعة والخمسون ربيعا من سكان مخيم جباليا, وقد وضعت حدا لهذا العمر, عندما توجهت إلى الحاجز الأمني الإسرائيلي يوم الخميس الثالث والعشرون من نوفمبر وقامت بتفجير نفسها محققة بذلك الأمنية والوعد الذي قطعته أمام الكاميرا التي صورها كادر مجاهدي كتائب عز الدين القسام.

فاطمة النجار, أو الجدة المجاهدة كما أحببت أن اسميها, خلفت ورائها سبع وخمسون عاما من الحياة عندما ضغطت على زناد المتفجرات التي بحوزتها, وفجرت نفسها في سبيل الله وسبيل الوطن. وقد وجد فيها المحللون الإسرائيليون, الجدة الإرهابية, وعلى عكس ذلك, فإنها قطعا وبلا شك, الجدة المجاهدة. فاطمة النجار, تركت خلفها تسع أولاد, وعلى الرغم من قلة المعلومات التي توفرت عنها بصورة عامة إلا أن الإعلام استطاع أن يعرف أنها تركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا, امتلئوا اليوم حزنا عميقا على فراق جدتهم, وفي ذات الوقت امتلأت صدورهم مشاعر الفخر الوطني والديني, وتحولت من الجدة الحنون والأم المثالية, لتضيف إلى قيمتها الثمينة, قيمة أخرى, وهي الشهادة, فصارت في عيون أحفادها وأولادها والكثيرين ممن سمعوا عنها وأولهم أنا,الجدة الشهيدة.

في محاولة من وسائل الإعلام لتغطية الحدث بأوسع صورة, فقد كان من الواجب اخذ أولاد فاطمة النجار في عين الاعتبار. فكان الحديث مع فؤاد احد أبنائها, البالغ واحد وثلاثون عاما, فقد وصف بأن ما فعلته أمه جعله يشعر بالفخر تجاهها هو وجميع أولادها وأحفادها. فاطمة هي الجدة الأولى في تاريخ النضالي للشعب الفلسطيني. فاطمة تحدت الخوف والمعاناة, واستطاعت أن تضع حدا للرؤية المقيدة, وللحلم البعيد, فعلت الواقع يتحقق بضغطة على الزناد, وجعلت الرؤيا تثمر بأشلائها الممزقة.

في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرون من تشرين الثاني, قامت فاطمة عمر النجار بالاتصال بأولادها وأحفادها ليأتوا إليها, ولم يكن احد يعلم مغزى هذه الاتصالات, وما الهدف من الزيارة في هذا اليوم, ولكنهم جاؤوا لزيارتها, ومن لم يستطع أن يأتي إليها, وصلت هي إليه. وفي الساعة الثانية عشر ظهرا خرجت من البيت دون علم أحد وتوجهت إلى حاجز امني إسرائيلي يقع بالقرب من حي الشيخ زياد شرقي بيت لاهيا بشمال قطاع غزة. وهناك قامت بتفجير نفسها. حيث أنها تقدمت نحو الجنود الإسرائيليين, وعندما طلبوا منها التوقف, رفض, فشكوا بأمرها, واستمرت هي بالتقدم, وكانت النتيجة أنها فجرت نفسها, وعلى اثر ذلك أصيب ثلاثة جنود بجراح نقلوا على أثرها للمستشفى بين حالة خطرة وحالة طفيفة.

فاطمة النجار, وكما يروي أولادها لوكالات الأنباء, أصبحت أرملة قبل عام فقط عندما توفي زوجها يوسف, الاحتلال والمجازر والأزمات الاقتصادية, كونت في نفسيتها الدافع القوي لتفجير نفسها فداءا للوطن. فقد قامت فاطمة قبل ذلك بمساعدة المجاهدين, ومؤخرا إبان مجزرة بيت حانون, عندما كانوا يختبئون في مسجد النصر في بيت حانون. وأكثر ما شدد عليه أولادها وأحفادها هو أن أمهم وجدتهم, جاءت بالكرامة لهم, وأنهم يتمنون أن يموتوا كما هي, شهداء في سبيل الله والوطن.

في شريطها المسجل, قامت فاطمة بإهداء هذه العملية إلى الأسرى في السجون الإسرائيلية, والى حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسماعيل هنية. ولعل العملية لم توقع قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي, إلا أني اعتبر فاطمة عمر النجار أسطورة ونموذجا للمرأة القيمة النزيهة الشريفة, فتركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا. أثار الخبر دهشتي استغرابي وأثار إعجابي بامرأة بلغت السابعة والخمسين من عمرها, وضحت من اجل الوطن والأسرى والشهداء. حسبها الإسرائيليون إرهابية, وحسبها أبنائها وأحفادها وأحبائها شهيدة, وأنا احسبها جدة الشهداء وجدة المقاومين.