Friday, December 29, 2006

افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة

وقح لكنه صريح

لطالما اعتبرت المتحدثين باسم الحكومة الإسرائيلية, أناس تطوف في عقولهم وتصرفاتهم وأفكارهم, إطارات من عنصر وحيد هو الوقاحة, إلا أني أدركت أني اغفل الجانب الأخر من الأمر كله. فهم (الإسرائيليين), يحافظون دائما على توازن في أحاديثهم وخصوصا تلك الحواريات التي يجرونها على قنوات تلفزيونية, ومحطات إذاعية, وحتى في الصحف, فنجدهم يعرضون رأيهم – وان كان وقحا – بكل صراحة ودون خوف من احد ودون مراجعة احد, لأنهم وفي تقديري, استقلاليين, فلا ينتظرون أن يمنحهم كبيرهم الإذن بالكلام.

وعلى الرغم من أن الصحافة الإسرائيلية, تطمح بداية ونهاية في كل إطاراتها أن تعرض الرأي الذي يتماشى مع مصالحها, إلا أن هناك الكثير من الأصوات (اليهودية), تنادي بعكس ذلك, ورغم أنها غير محبذة عند الرأي العام إلا أنها مسموعة بوضوح. تلقى هذه الأصوات المتاعب والانتقادات المستمرة, بل وتحرم من مشاركة اجتماعية واقتصادية على المستوى الفردي, ولكنها تبقى مسموعة. الأصوات التي تنادى بإقامة دولتين بجانب بعضهما البعض ما هي إلا أصوات أحزاب تسعى في مجمل مسيراتها إلى نشر العدالة الاجتماعية لدى جميع المواطنين في إسرائيل, وتأتي العدالة في أشكال متعددة, ففي إسرائيل هناك الفئات والأقليات التي تضطهد فرديا وبشكل مستمر, وهناك التعصب ضد هذه الأقليات, وعلى الرغم من ذلك فان لهذه الأقليات أيضا صوت مسموع دائما, وان كان ضعيفا فهو يحمل في طياته أفكارا وآراء على كل الجوانب المتصارعة أن تحترمه من منطلق حرية التعبير.

المسئول الإسرائيلي هو شخص عادي, فهو مواطن كما هو المواطنون الآخرون, يسمع ويتكلم ويبدي راية الشخصي المنطقي, إن كان في بعض الأحيان يمس أقليات أو يجرح أشخاصا يردون عليه بكلام يجرحه, ولكنه في نهاية المطاف "إنسان" يمتلك تلك المحفزات والمشاعر التي تملي عليه تصرفاته. من خلال تلك المشاعر يمكن معرفة وجهته السياسية وردود افعاله تجاه امور حساسة, كالعرب الذين يعيشون في إسرائيل وحقوقهم, وهم ليسوا بأقلية فهم يفوقون الخمس وعشرون في المئة من الدولة, او كوضع الفساد والخسارة في الحرب ضد حزب الله. هذه الامور وغيرها, يمكن ان نعرفها ونلمسها من خلال محادثات وجدال مع احد المسئولين الإسرائيليين, فهو يقدر ويفكر ويستطيع ان يتجاوب مع الواقع. وعلى الرغم من ان الرؤية العامة لاي حديث مع مسئول اسرائيلي, ستعتبر وقاحة – باعتباره إسرائيليا – الا ان هذا الموقف متغير دائما ويكاد يكون صراحة بدل الوقاحة, وواقعا بدل الكذب, وحقيقة بدل اتهامه في ترويج الأحلام "الصهيونية", والتي استمرت وما زالت منذ عقود طويلة.

الوقاحة, تلك الصفة التي نطلقها على كل مسئول اسرائيلي يتحدث عن امور تخص العرب, وتخص الشئون العربية الداخلية, كسلاح حزب الله مثلا. فالمسئول الاسرائيلي, الذي جاء الى البلاد على متن سفينة وهو يرتجف من الجوع والمهانة, اصبح يتحدث عن شان لبنان الداخلي واصبح يعطي رايه واوامره واعتقاداته وتخميناته ونظرة المستقبلية إن لم ينزح سلاح حزب الله, في هذه الحالة فان الشعور العام وليس العربي فقط سيكون عبارة عن وصف هذه التصريحات من أي مسئول اسرائيلي بانها وقاحة وقلت ادب. وعلى الجهة الاخرى من هذه الامور, فان الوقاحة يمكن لها ان تكون صراحة, ليس بالمعنى الحرفي للكلمة, ولكن بالمعنى الجوهري لها, وهذا هو الامر الخطير في هذه القصة كلها. الفكرة من وراء كل هذا المقال اتتني عندما كنت اقلب قنوات التلفاز, واذا بي اقلب القناة الى القناة العاشرة الاسرائيلية, كانت تبث برناج يقدمه صحفيان اسرائيليان, وانا اتردد على هذا البرنامج لانه يتطرق الى الوضع في اسرائيل والعرب والشأن الاسلامي الدولي ايضا, فارى وجهة نظر الاعلام الاسرائيلي كل يومين تقريبا, واحلل الوضع كل يومين, رغم ان البرنامج يعرض كل يوم. في هذا البرنامج يستضيفون شخصيات كثيرة, منهم يهود وعرب واخرون, منهم مسئولين ومدراء مدارس واساتذة جامعات واعضاء في الكنيست. في حلقة ما كان الحديث عن التطور الذي يحصل في الخليج العربي وعن التصعيد الامريكي في بدئ مناورات عسكرية وبموافقة دول الخليج بل ودعم هذه المناورات, وبالرغم من ان هذا الامر هو مزعج حقا فان الازعاج ازداد مع الانباء الواردة عن الإيرانيين حيث انهم استعدوا هم ايضا الى تصعيد مماثل, فبادروا باطلاق صواريخهم وبتحضير انفسهم للرد.

وكان موضوع الحلقة ايضا, الملف النووي الايراني, وكم كثر الحديث عن هذا الملف حتى كتب عنه مجلدات. ومن منطلق ان الرؤية العامة للاعلام الاسرائيلي تحتم على الموضوع ان يصب في مصالح الدولة العبرية فكان لا بد ان يكون الحوار ضد الملف النووي, وضد التقدم في هذا الشان, وبالرغم من ان هذا ما حصل بالفعل الى انهم عرضوا في البرنامج, صورا من وكالات انباء تصور في ايران حول الملف النووي وقد تحدث فيها ايرانيون مختصون في الاسلحة النووية حول الموضوع وقالوا ان هناك تقدما في هذا الشان والذي يخدم الطب, حيث ان استخدام الماء الثقيل بدل الماء الطبيعي, هو حل لمشاكل السكري او القلب ولا اذكر أي امراض اخرى ذكرت. وكان تعليق الصحفيين, انهم ابتسموا قليلا, ثم قال احدهم ان هذا ممكن, وقال انه لا يفهم في الطب لذلك فهناك امكانية لان تكون هذه التحليلات ممكنة. الرؤية العامة للصحافة الإسرائيلية طغت على الحلقة, ولكن ليس من قبل المذيعين وانما من خلال استضافة عضو الكنيست ونائب وزير الدفاع الاسرائيلي افرائيم سنيه.

تحدث سنيه وهو في الاصل طبيب, عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها واستمر بهذه الاسطوانة حتى مل منه المذيع ودخل في صلب الموضوع وهو الملف النووي الإيراني. في البداية بدأ يتحدث عن المخاطر التي تحوم فوق الكيان الصهيوني من الخطر النووي الإيراني متناسيا حق إيران بالتطور والازدهار والانفتاح, وغير مبال بشعب عريق, يحمل قيما واخلاقا دافع عنها طوال عقود. سنيه, لم يتطرق الى الهدف السلمي من المفاعلات النووية الايرانية بالرغم من انه طبيب ولم يتطرق الى الاهداف الهدامة من المفاعلات النووية الاسرائيلية في ديمونا والتي كانت ثمرة العدوان الثلاثي على مصر. ولكنه تحدث عن الخطر الذي ينتظر اسرائيل, والدول التي تتماشى مع الخط الامريكي الاسرائيلي العام وكانت جملته القاتلة تلك حين فجرها على الشاشة, ولم اسمعها مترجمة او مدبلجة بل سمعتها بالعبرية, قال:" ان الخطر الايراني يهدد دول عربية ليست بينها وبين اسرائيل سلام {وليس بالضرورة علاقات}, وعلى هذه الدول ان تضع يديها بيد اسرائيل لمحاربة الخطر الايراني الذي يهدد المنطقة". كانت هذه كلمات افرائيم سنيه وقد سمعتها باذني حتى ان المذيع قال له ان محاربة الخطر الايراني لا يستوجب ان يكون هناك سلام بين اسرائيل والدول التي تشكو من ايران, فهناك علاقات تجارية وعلاقات وطيدة الى حد ما.

هذا ما استوقفني وجعلني افكر كيف اطرح الفكرة الى ان وجدت ان هذه التصريحات ما هي الا وقاحة بنظري, فنائب وزير الدفاع, ولد قبل قيام الدولة العبرية وهو الان يتحدث وبكل وقاحة عن خطر يهدد حياة الدولة اللقيطة, بل يحدد سياسة دولية ضد ايران. والاوقح من ذلك انه يفكر في التعاون مع الدول التي تشكوا من ايران, ولكن هذه هي المعضلة بحد ذاتها. فمن جهة هو تطاول على ايران والسياسة الايرانية الداخلية وهذا ما اعتبره وقاحة, ومن جهة اخرى فهو تكلم بمنتهى الصراحة, عن القوى التي يمكن ان تتعاون مع اسرائيل لضرب ايران. ومن هذا المنطلق اسميت هذه المقالة, افرائيم سنيه .. وقاحة وصراحة, وذلك لاني اصدق ما قاله كلمة بكلمة, لانه تكلم بصراحة لكنه في ذات الوقت كان وقحا (بيندب في عينه رصاصة). سنيه ليس مذنبا بقدر الذين تحدث عنهم, فلو ان احدا منهم لديه ذرة من الكرامة لما استطاع ان يفكر فيه اصلا, ولكن الاقنعة تزول ويبقى الوجه الحقيقي مهما تغيرت الظروف ومهما اشتدت الصعاب.

Friday, December 22, 2006

مسجد الناصر .. صمود وشموخ

شامخ رغم أنف الحاقدين


ليس كأي مسجد هدم من قبل آلة الحرب الإسرائيلية بذريعة إختباء مقاتلين فيه, وليس كمثل المساجد الأخرى التي تحمل أسماء ولا تمت بالضرورة الى واقع المسجد, فمسجد النصر الواقع في بيت حانون, اسم على مسمى وإن هدم فقد إنتصر.

بني هذا المسجد قبل ثمانية قرون بأيدي وسواعد أبناء المنطقة, وسمي بهذا الإسم تيمنا وإفتخارا بالنصر الذي حققه المسلمون على الصليبيين قبل ثمانية قرون وأكثر, في معركة سميت بمعركة أم النصر والتي جرت أحداثها بين غزة اليوم وعسقلان. وقد بني هذا المسجد عام 637 هجرية, وبقي حتى يومنا هذا وما زال شامخا مئذنته رغم أن معظمه دمر على يد الإحتلال الإسرائيلي في الإجتياح الأخير على القطاع.

الشيخ أبو زريق, إمام المسجد, اعرب عن أسفه وحزنه على ما جرى للمسجد. ويردد الشيخ الرواية التي عاش أحداثها خلال الإجتياح التي أخبرها لوكالات الأنباء حيث حكى لهم عن كيفية هدم المسجد على من فيه.

يقول أبو زريق أن جيش الإحتلال لم يأت لكي يقضي على المقاتلين بشكل خاص فقد قتل أطفالا ونساء وشيوخا, وقد هدم مسجدا دون ان يقترف المسجد أي ذنب ودون أن يهاجم المسجد أي جندي إسرائيلي. ولعل جمل هذا الشيخ, إمام مسجد النصر وهي الجمل التي تلخص وتعبر عن واقع الإستراتيجية لدى العسكري الإسرائيلي, ولعل هذا الأمر يعود فينا لنفكر قليلا ونعود الى كتب علم النفس لنرى دوافع هذه التصرفات في لحظات حلكة وصعبة, وكيف لها أن تعكس صورة الجندي الإسرائيلي لا سيما الجندي يهدم مسجدا على من فيه والجندي الذي لا يفرق بين مقاتل وطفل من أطفال بيت حانون.

الجندي الإسرائيلي والذي ترعرع على أيدي أمهر جزاري القرن الماضي, والذي فتحت له أبواب النجاح على مصراعيها, هو ذاته الجندي الذي أعد لنفسه صورة الجندي الذي لا يقهر الى أن غيرت هذه الصورة حين خاض حربا ضد "مغامرة" قام بها رجال المقاومة الإسلامية في لبنان ليثبت للعالم أجمع ان التدريب والعتاد والعقود التي عاشها الجندي الإسرائيلي في وهم الجندي الذي لا يقهر, كانت هراء وكلاما لا يتعدى حدود الورق الذي كتب عليه.

تصرفات الجندي الإسرائيلي, ما هي إلا أنعكاس للجمهور الإسرائيلي. تلك التصرفات التي لا أجد لها وصفا محدد, فتارة تكون إرهابية بكل ما للكلمة من معنى , وتراة أجدها وحشية وتارة أجدها همجية, بإختصار دعوني أطلق عليها, تصرفات إسرائيلية.

إنه لمن الخطأ التصديق بأن التصرفات الهمجية التي تقوم بها القوة العسكرية الإسرائيلية, دفاعا عن النفس. لأنها تفتقر الى المصداقية أمام أطفال بيت حانون وقانا وغيرها من المناطق. فهي ليست دفاعا عن النفس, وإنما تغطية لجرائم وحشية همجية, ضاربة عرض الحائط كل الإتفاقيات الدولية التي تحرم التعرض للمدنيين في الحروب.

العقلية المتعجرفة للجندي الإسرائيلي والتي تكدست على مر السنوات الماضية والتي دعمت من قبل الغرب بعد العدوان الثلاثي, مرمغت في تراب بنت جبيل, ومارون الراس, وعيترون. حيث صار الجندي الإسرائيلي يتمنى أن يعود جنينا في بطن أمه. لكن الدرس الأخير لم يكن كافيا لدى الجنرالات الإسرائيليين, فما أن أتيحت الفرصة حتى رأينا جيش الإحتلال بأكمله يحاصر بيت حانون ويقصفها ويضيفها الى قائمة المجازر, بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

أما الجندي الإسرائيلي, والذي ما زال يتعالج لدى أطباء النفس وإختصاصيي الطب النفسي, فإنه يفكر في الإنتقام من خسارته الفادحة في حرب لبنان الثانية, والسعي في تدريبات لعله بعدها يخوض في حرب لبنان جديدة.

ها هو الجندي الإسرائيلي, وها هي آلة الحرب الإسرائيلية يتماديان ضد الشعب الأعزل, لتصل درجة الوقاحة الى أن يهدم مسجد على من فيه من محتمين ومختبئين. وكلمة وقاحة تطابق تماما هذه الفعلة الشنيعة, فالإمام أبو زريق صدق حين قال أن الجيش لم يأتي فقط للقضاء على المقاتلين, فقد قتل الأطفال والنساء والشيوخ, وحتى أناس عاديون إحتموا في المسجد والتفسير المنطقي لهذه الخطوات من جيش الإحتلال هو التفريغ النفسي عن الأعصاب التي لم تستحمل أن تقوم ثلة من شباب المقاومة الإسلامية في لبنان تعليقهم بين الجحيم والنار طيلة ثلاة وثلاثين يوما.

هدم المسجد ليس إلا محطة تفريغ أمراض نفسية كانت أعراضها العجز العربي عن صد هذه "القوة" التي لا تقهر وكان العلاج عند حزب الله. الا ان الجرعة التي أسقاها رجال الله في الميدان للجندي الإسرائيلي, جعلت الجنود الإسرائيليين يتعطشون الى جرعات أخرى. هذا التعطش تحول الى كلب مسعور, تمثل في الدبابة التي لم تجد نفسها في بيروت كما وعد أولمرت وإنما فوق أنقاض أطفال بيت حانون لتثبت أنها أحط وأنذل آلة حرب عسكرية.

دمر المسجد كاملا وبقيت المئذنة وبقي أسمه يعلو رغم أنف الإحتلال, فمسجد النصر لم يبنى على فائض اموال مصاصي الدماء كما في أماكن أخرى, ولم يبنى تخليدا لذكرى شخص ما, بل بني من أجل أن تقام فيه الصلاة, وأن ترفع فيه كلمة الله.

أبو مازن توعد بإصلاح المسجد, وعسى أن يفعل ذلك. مأذنة المسجد خير دليل على شموخه رغم الحصار والإحتلال والإجتياح, مأذنته تعبر عن النضال والكفاح, رغم هدم المسجد كله, إلا أن المئذنة تشهد على النضال والكفاح سابقا وحديثا, تدل على دماء الشهداء, وعلى التضحيات العظيمة التي يقدمها الشعب الفلسطيني كل يوم, فهي مئذنة مسجد النصر.

Friday, December 15, 2006

جوليا بطرس .. وقناة إسرائيل العاشرة

صورة من الفيديو كليب


أحبّائي..

إستمعتُ إلى رسالتِكم وفيها العِزُّ والإيمان

فأنتم مِثلما قُلتُمْ رجالُ اللهِ في المَيدان

ووعدٌ صادقٌ أنتُم وأنتُم نصرُنا الآتي

وأنتم من جبالِ الشمسِ عاتيةٌ على العاتي

بِكُم يتحرّر الأسرى بِكُم تتحرَّرُ الأرضُ

بقبضتِكم بغضبتِكم يُصان البيت والعِرضُ

بُناةُُ حضارةٍ أنتم وأنتم نهضةُ القيمِ

وأنتم خالدون كما خلودُ الأرز في القِممِ

وأنتم مجدُ أمَّتِنا وأنتم أنتمُ القادة

وتاجُ رؤوسِنا أنتم وأنتم أنتُم السادة

أحبّائي..

أقبِّلُ نُبْلَ أقدامٍ بها يتشرَّفُ الشَّرفُ

بِعزّةِ أرضِنا انغرسَتْ فلا تكبو وترتجفُ

بِكُم سنغيِّرُ الدُّنيا ويَسمعُ صوتَنا القدرُ

بِكُم نبني الغدَ الأحلى بِكُم نمضي وننتصرُ
* * * * *

كلمات تمت بالاشتراك مع الشاعر غسان مطر والملحن زياد بطرس من رسالة السيد حسن نصر الله للمقاومين على الجبهة في الحرب الأخيرة على لبنان. كانت هذه كلمات العمل الفني الذي قامت به الفنانة الملتزمة جوليا بطرس فور عودتها من دبي بعد الحرب الأخيرة. الفيديو كليب قامت بتصويره في بنت جبيل بين الركام وعلى الاطلال. لم تكن نبرة جوليا نبرة امراة انهزمت, رغم فظاعة الدمار الذي تصوره في كليبها, وانما كانت نبرتها نبرة امل وتفاؤل, نبرة قوة وعزم وارادة.

ليس غريبا على فنانة ملتزمة وقديرة, بحجم جوليا بطرس ان تقوم بعمل رائه تجاه وطنها, فهي فنانة قديرة, غنت من قبل للاقصى في انتفاضة الاقصى, كما انها تواصلت مع الفن والغناء الوطني الملتزم, ولم تكن بعيدة في غنائها العادي عن الخط الوطني. وليس غريبا ان تقتبس مغنية مسيحية كلمات لشيخ مسلم ألا وهو حسن نصر الله, فهي نهجت النهج الوطني, كما هو نصر الله, فلم ينظر احد منهم الى القضية باسرها قضية طائفية, وانما نظروا لها نظرة وطنية, فجوليا قامت بالغناء من واجبها الوطني وليس اكثر. لكن الغريب في الامر هو ان شركة كبيرة وهي بالاحرى الشركة الموسيقية الاكبر في العالم العربي, من ان ترعى هذه الاغنية, حيث ان جوليا صرحت بنفسها حول هذا الموضوع ملمحة الى ان روتانا لم تاخذ العمل بشكل جدي, لذلك كان على جوليا ان تتصرف بنفسها في توزيع الاغنية.

كلمات رائعة, الهمت كل من سمعها بروح حسن نصر الله وصوت جوليا بطرس الذي يعبر عن الوطنية الصريحة والفن الراقي, وهذه شهادة يسجلها التاريخ لصالح جوليا, وهذه جزء من الرسالة التي هي فرض على الفنان والمبدع, فالوطن هو جزء لا يتجزأ من الرسالة الفنية. وها هي جوليا تبدع وتعطي صوتها للمقاومة والوطن والجيل القادم, وهي رسالة ان قرأت وفهمت, فانها رسالة خالدة, تعبر عن انتصار الحق على الباطل, واندحار الزيف عن الحقيقة, وان النصر الساحق قادم. وعلى الرغم من ان هذا العمل قامت به جوليا قبل اكثر من شهر الا انني سمعتها مؤخرا وشاهدت الفيديو كليب على القناة العاشرة الاسرائيلية, حيث كان الموضوع هو ان نصر الله بدأ يجمع حوله الفنانين اللبنانيين, ومنهم جوليا بطرس رغم انها غير مسلمة. وهذا يدل على ان الاعلام العربي – باستثناء الجزيرة – قد اوضح صورته في عدم اظهار التاييد للمقاومة رغم ان فنانة مهمة مثل جوليا, تغني للمقاومة, فشكرا لجوليا والقناة الإسرائيلية العاشرة التي منحت مشاهديها هذا الفيديو كليب خلافا للقنوات العربية التي كانت تغني على نغمات المدافع والقاذفات الاسرائيلية.

Friday, December 08, 2006

تصريحات حسني .. وتعديلات مبارك

دافنينو سوا


مع وتيرة التصريحات التي أدلى بها وزير الثقافة المصري فاروق حسني, كانت اللحظة المرتقبة على أبوب التنفيذ. كانت وما زالت تلك اللحظة تختبئ في تصريحات فاروق حسني رغم ان التصريحات لازمت الشعب المصري والعربي والإسلامي بشكل عام منذ سنوات عديدة. إلا أن هذه المرة كانت مختلفة, ففي أحلك اللحظات التي يمر بها الشعب المصري إثر فضائح التحرشات الجنسية الجماعية, يأتي وزير الثقافة المصري, فاروق حسني ليفجر قنبلة من العيار الثقيل, مست كل مواطن مصري وعربي ومسلم.

كانت كلمات فاروق, تبرئ وجهة نظره, بل الأحرى عن رأيه حول الحجاب الذي نعته بالسبب وراء تخلف المرأة المصرية التي تخلفت للوراء مئات السنين بسببه. وعلى الرغم من أن هذه التصريحات جاءت من شخص وتعبر عن رأيه, إلا أنها بدت كتيار سياسي جديد, هدفه إشعال فتنة ما في وقت عصيب تمر به مصر والعالم العربي. كانت تصريحاته أشبه بالتحريض على المحجبات حيث ضرب مثالا بزوجته التي لم يتزوجها بعد, وقال أنه سوف لن يسمح لها بإرتداء الحجاب.

ذلك المثال أمر مؤسف بحد ذاته, لأنه يدل على سطحية التفكير لدى الوزير, فالأمر يعتبر بحد ذاته تناقضا واضحا حيث أنه لم يبقي مجالا للشك بأنه سطحي ومتخلف. كيف له أن يدعي الحرية في كل شيء وهو في ذات الوقت يكبح حرية التعبير لدى "زوجته" بمنعها من إرتداء الحجاب. وعليه فإني أرى أن تصريحات حسني لم تكن مجرد نقد للحجاب, بل هي تغطية لأمر أدهي, وهي أي تصريحاته جاءت كغطاء ما, لأمر لا يراد التحدث عنه, فقام بأخذ خطوة كهذه والتهجم على الحجاب ليثير التساؤلات وليوجه الأقلام ضده وليوجه الرأي العام ضده.

في ذلك الوقت الذي كان فاروق حسني يمسك بدراع "الحرية" والظهور على الفضائيات ليبرر تصريحاته التي أدلى بها حول تخلف المرأة بسبب الحجاب. وفي الوقت الذي كان يجمع ويجند فيه أصواتا من زمرته ومن أشكاله, من طبقة الفنانين, ومن بينهم حسين فهمي الذي إنفتح كنافورة ماء ذات يوم عبر محطة المحور, وساند حسني فاروق في تصريحاته, ومن ثم جاء بعد يومين الى المحطة نادما آسفا حيث أنه إعترف أن إبنته محجبة, وكان وجهه كأسفل نعلي لا يوصف بالكلمات. في ذلك الوقت كان الرئيس محمد حسني مبارك يعد العدة ويجهز نفسه, بعد أن إنتهى من إعداد التعديلات الدستورية التي بقي أن يوافق عليها بالإجماع فقط.

هي لعبة سياسية محبوكة ومدبرة جيدا, فما المغزى من التوقيت المثير للدهشة. في السادس عشر من نوفمبر قام وزير الثقافة فاروق حسني بالإدلاء بتصريحاته, حيث أنه كان يوم خميس وهو يوم لذيذ لدى الشيوخ والخطباء الذين يحبون التحدث عن مواضيع كهذه في خطب الجمعة, وتقليب الرأي العام. بعد 72 ساعة فقط, وعندما عرف كل مواطن مصري بخبر الحجاب وفاروق, أعلن الرئيس حسني مبارك عن رزمة التعديلات الدستورية التي سيقوم بها وكان ذلك يوم سبت التاسع عشر من نوفمبر. ثلاثة أيام يستطيع أن يجند فيها رأيا عاما وأن يثير فتنة كبيرة والأهم أنه يستطيع أن يصنع ذلك الأفيون الذي جعل الرأي العام, ينسى ولو بشكل كبير وليس كلي, تعديلات حسني مبارك.

لو نظرنا الى المادة السادسة والسبعون والتي تتعلق بالإنتخابات, فإننا نرى ان الإخوان المسلمون في مصر سيحرمون من أمور عديدة, وقد ساعدت تصريحات فاروق حسني في إبعاد الأضواء عن التعديلات الدستورية خصوصا ان قضية الحجاب تثير سخط الإخوان قبل غيرهم من فئات الشعب. الأمر المحزن في تصريحات الرئيس حسني مبارك, حين قال أنه سيبقى في منصبه طالما أن في صدره قلب ينبض, ونفس يتردد.

Friday, December 01, 2006

فاطمة النجار .. جدة ومجاهدة

فاطمة النجار


لعمري لم أرى صورة أثر بي مضمونها أكثر من صورة فاطمة النجار من وكالات الأنباء التي تناقلت تلك الصور وذلك الشريط المسجل لتلك المرأة. وعلى الرغم من الأجواء العامة التي حلت مؤخرا على قطاع غزة, مرورا بمجزرة بيت حانون, وانتهاء باغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل, فان الضجة الإعلامية, والزوبعة الصحافية, لم تستحوذ على تأثيري الخاص أكثر من الخبر الذي هز تفكيري تماما, وأعاد خلط الأوراق من جديد, فلم اعد أدرك كيف سأنسق الموضوع, بل كيف سأبدأ ومن أين انتهي. هو خبر شاهدت لمحات منه على التلفاز, ولم أكن اعلم بتيقن محتواه وأبعاده, بل لم أكن اكترث حقا للعودة إليه, إلى أن تصادمت معه في الانترنت.

يقول الخبر: امرأة فلسطينية تفجر نفسها في قطاع غزة بالقرب من جنود إسرائيليين حيث أدت العملية إلى جرح ثلاثة جنود إسرائيليين وقد نقلوا إلى المستشفى اثر هذا التفجير, إلى هنا انتهى الخبر. ولكن لاحظت في التلفاز أنهم يعرضون شريطا مسجلا لامرأة يبدو عليها كبر السن, تلف على رأسها شريطا من القماش الأخضر كتب عليه, كتائب الأقصى. والأمر الغريب, أنها تحمل رشاشا من نوع أم 16, وفي الخلفية, صور ممزوجة ببعضها تشير إلى أنها صممت لكتائب عز الدين القسام.

من التلفاز لم افهم شيئا, لان الشريط عرض في لحظات معدودة حتى أن صوت المعلق الإسرائيلي كان يغطي على حديث المرأة. وعدت إلى الحاسوب, لأبحر في الانترنت, وشاء القدر أن اصطدم من أول لحظة بنفس الخبر, لكن المرة ليس له من مفر, فتريثت وقرأت الخبر وأيقنت معنى أن يتأثر الإنسان إلى ابعد الحدود, فكما ذكرت سلفا أني تأثرت أكثر مرة هذه الأيام عند قراءة هذا الخبر.

ليس بالأمر الجديد علي أن أرى شخصا قد ذهب ليستشهد في عملية تفجير ذاتية, فتلك الأخبار لطالما تصادمت معها في كل وسائل الإعلام والأنباء, ولطالما تأثرت بدرجات مختلفة بين حالة وأخرى, وليست تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها امرأة تقوم بتلك العمليات. ففي السابق كان للنساء دور في مثل هذه العمليات, اذكر ذات مرة أن حادث تفجير قوي أدى إلى قتل الكثير من الإسرائيليين بداخل إسرائيل, وكانت الفاعلة فتاة لم تبلغ التاسعة عشر من عمرها, واذكر أكثر من قصة رغم أني لا افلح في استرجاع احدها في الوقت الراهن, فتأثير الخبر, لخبط أموري.

وليس بغريب على الإطلاق أن نسمع عن مكان التفجير, ألا وهو حاجز امني على حدود قطاع عزة, تلك الحدود التي لم تكن على مر التاريخ إلى أن قامت الدولة العبرية على هذه الأرض, فحدود غزة, تحولت كلها منذ أعوام إلى قنابل موقوتة, تحتاج إلى من يضغط على الزناد لتفجر القنبلة في الجنود, وتفجر معها جسد المجاهد, وهذا ما حدث لفاطمة النجار. لكن الغريب هو سن الفاعل, ومركز الفاعل.

فاطمة النجار, تلك المراة القديرة, تبلغ من العمر السابعة والخمسون ربيعا من سكان مخيم جباليا, وقد وضعت حدا لهذا العمر, عندما توجهت إلى الحاجز الأمني الإسرائيلي يوم الخميس الثالث والعشرون من نوفمبر وقامت بتفجير نفسها محققة بذلك الأمنية والوعد الذي قطعته أمام الكاميرا التي صورها كادر مجاهدي كتائب عز الدين القسام.

فاطمة النجار, أو الجدة المجاهدة كما أحببت أن اسميها, خلفت ورائها سبع وخمسون عاما من الحياة عندما ضغطت على زناد المتفجرات التي بحوزتها, وفجرت نفسها في سبيل الله وسبيل الوطن. وقد وجد فيها المحللون الإسرائيليون, الجدة الإرهابية, وعلى عكس ذلك, فإنها قطعا وبلا شك, الجدة المجاهدة. فاطمة النجار, تركت خلفها تسع أولاد, وعلى الرغم من قلة المعلومات التي توفرت عنها بصورة عامة إلا أن الإعلام استطاع أن يعرف أنها تركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا, امتلئوا اليوم حزنا عميقا على فراق جدتهم, وفي ذات الوقت امتلأت صدورهم مشاعر الفخر الوطني والديني, وتحولت من الجدة الحنون والأم المثالية, لتضيف إلى قيمتها الثمينة, قيمة أخرى, وهي الشهادة, فصارت في عيون أحفادها وأولادها والكثيرين ممن سمعوا عنها وأولهم أنا,الجدة الشهيدة.

في محاولة من وسائل الإعلام لتغطية الحدث بأوسع صورة, فقد كان من الواجب اخذ أولاد فاطمة النجار في عين الاعتبار. فكان الحديث مع فؤاد احد أبنائها, البالغ واحد وثلاثون عاما, فقد وصف بأن ما فعلته أمه جعله يشعر بالفخر تجاهها هو وجميع أولادها وأحفادها. فاطمة هي الجدة الأولى في تاريخ النضالي للشعب الفلسطيني. فاطمة تحدت الخوف والمعاناة, واستطاعت أن تضع حدا للرؤية المقيدة, وللحلم البعيد, فعلت الواقع يتحقق بضغطة على الزناد, وجعلت الرؤيا تثمر بأشلائها الممزقة.

في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرون من تشرين الثاني, قامت فاطمة عمر النجار بالاتصال بأولادها وأحفادها ليأتوا إليها, ولم يكن احد يعلم مغزى هذه الاتصالات, وما الهدف من الزيارة في هذا اليوم, ولكنهم جاؤوا لزيارتها, ومن لم يستطع أن يأتي إليها, وصلت هي إليه. وفي الساعة الثانية عشر ظهرا خرجت من البيت دون علم أحد وتوجهت إلى حاجز امني إسرائيلي يقع بالقرب من حي الشيخ زياد شرقي بيت لاهيا بشمال قطاع غزة. وهناك قامت بتفجير نفسها. حيث أنها تقدمت نحو الجنود الإسرائيليين, وعندما طلبوا منها التوقف, رفض, فشكوا بأمرها, واستمرت هي بالتقدم, وكانت النتيجة أنها فجرت نفسها, وعلى اثر ذلك أصيب ثلاثة جنود بجراح نقلوا على أثرها للمستشفى بين حالة خطرة وحالة طفيفة.

فاطمة النجار, وكما يروي أولادها لوكالات الأنباء, أصبحت أرملة قبل عام فقط عندما توفي زوجها يوسف, الاحتلال والمجازر والأزمات الاقتصادية, كونت في نفسيتها الدافع القوي لتفجير نفسها فداءا للوطن. فقد قامت فاطمة قبل ذلك بمساعدة المجاهدين, ومؤخرا إبان مجزرة بيت حانون, عندما كانوا يختبئون في مسجد النصر في بيت حانون. وأكثر ما شدد عليه أولادها وأحفادها هو أن أمهم وجدتهم, جاءت بالكرامة لهم, وأنهم يتمنون أن يموتوا كما هي, شهداء في سبيل الله والوطن.

في شريطها المسجل, قامت فاطمة بإهداء هذه العملية إلى الأسرى في السجون الإسرائيلية, والى حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسماعيل هنية. ولعل العملية لم توقع قتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي, إلا أني اعتبر فاطمة عمر النجار أسطورة ونموذجا للمرأة القيمة النزيهة الشريفة, فتركت خلفها تسع أولاد وما لا يقل عن أربعين حفيدا. أثار الخبر دهشتي استغرابي وأثار إعجابي بامرأة بلغت السابعة والخمسين من عمرها, وضحت من اجل الوطن والأسرى والشهداء. حسبها الإسرائيليون إرهابية, وحسبها أبنائها وأحفادها وأحبائها شهيدة, وأنا احسبها جدة الشهداء وجدة المقاومين.

Friday, November 24, 2006

بيت حانون .. على قائمة المجازر

أحد الشهداء من المجزرة


صفحة السوابق الإسرائيلية ما زالت تتجدد وتثقل ولا يكاد الحبر الذي كتبت به تفاصيل مجزرة ما إن يجف, إلا وقد سمعنا عن مجزرة جديدة, فنعيد فتح الملفات التي أصبحت ثقيلة ودسمة لنخط من جديد مجزرة أخرى تضاف إلى قائمة المجازر الإسرائيلية المتواصلة, الوحشية, الهمجية والتي تخلو من صفات الإنسانية بل وتتجرد من الصفات الطبيعية للإنسان الذي يدعي بكل وقاحة حقه في الدفاع عن نفسه.

ها هي المرة التالية التي ترتكب فيها إسرائيل مجزرتها الهمجية, بعد توغل قوات الاحتلال إلى قطاع غزة ومحاصرة الشعب الفلسطيني برا وجوا وبحرا, وتجويعه منذ شهور بل وضرب كل ما يمكن ضربه. ها هي المجزرة الجديدة التي أخذت رقم الثامن والسبعون أو التاسع والسبعون على قائمة المجازر الإسرائيلية, فما عادت الأرقام تهم احد وما عادت تنفع, فإسرائيل ماضية في مجازرها, وربما هي المرة الثمانون في حال إن مجزرة ارتكبت يوما ولم يعلم بها احد, لكن الوثائق تشير إلى أن هذه هي المرة الثامنة والسبعون أو التاسعة والسبعون. تلك المجازر التي امتد على سبع عقود مضت. وحتى قبل قيام الدولة العبرية, فالهمجية والوحشية, هما الصفتان اللتان ميزتا قيام هذه الدولة, فهي لم تقم ولم تستمر إلا على جثث الأبرياء ممن قتلتهم في مجازرها بكل عنف ووحشية.

بيت حانون هي الضحية الأخيرة ضمن هذه القائمة والتي بدأت في المدن والقرى الفلسطينية, فلم يسلم من هذه المجازر احد, فكل بقعة في فلسطين تشهد مجزرة ما على أرضها, من القدس وحيفا وبلد الشيخ والعباسية والخصاص وباب العامود والشيخ بريك وحتى فندق سميراميس في القطمون وحتى بناية السرايا العربية والسرايا القديمة في طولكرم لم تسلم منهم وسعسع وبناية السلام في القدس والحسنية وسوق الرملة وحتى القطار ما بين القاهرة وحيفا لم يسلم من هذه المجازر ودير ياسين وقرية قالونيا وقرية اللجون وقرية ناصر الدير وقرية طبرية وصفد وعين الزيتون وقرية أبو شوشة وقرية بيت دراس والطنطورة وقرية جمزو واللد والمجدل والدوايمة وعيلبون والحولة وقبيلة عرب المواسي مجد الكروم وقرية أم شوف والصفصاف وقرية جيز وقرية شرفات وبيت لحم وبيت جالا وغزة وقبية ونحالين وبئر السبع وقلقيلية وكفر قاسم وخانيونس والبريج ورفح والخليل وصبرا وشاتيلا وجباليا ومؤخرا بيت حانون. هذه القرى والمدن والمناطق لم تسلم من بطش اليهود والمجازر الإسرائيلية بحق أصحاب الأرض, بل وتطاولت على الحق الملكي لهذه الأماكن واحتلتها وطردت مواطنيها الأصليين منها وما زالت تستمر بالمجازر كلما سنحت لها الفرصة.

من الأماكن الأكثر تعرضا للمجازر, وذلك قبل عام 1948 أي قبل قيام الدولة العبرية, منطقة حيفا والمناطق المحيطة بحيفا, حيث جرت هناك 12 مجزرة وكانت حصيلتها ما يزيد عن 500 قتيل إضافة إلى أكثر من ألف جريح, وقد توقفت هذه المجازر في تلك المنطقة عند عام 1967 بعد حرب الأيام الستة. أما في القدس فان الحال لا يسر أيضا, فقد جرت هناك 12 مجزرة أيضا, وكانت الحصيلة تقدر بما يقارب 480 قتيل إضافة إلى مئات الجرحى. في اللد والرملة ويافا والمناطق المحيطة بها, فإنها لم تسلم أيضا من المجازر, حيث أن حصتها كانت ما يقارب 13 مجزرة وحشية وقد استشهد فيها ما يقارب 850 شخص اعزل. من المجازر الأكثر شهرة, مجزرة دير ياسين تلك القرية التي تبعد عن مدينة القدس حوالي ستة كيلو مترات غربا, وقد حدثت المجزرة في التاسع من نيسان عام 1948 حيث قامت مجموعة "الارغون" و"شترين", بمهاجمة القرية والبطش شمالا وجنوبا دون تمييز بين طفل أو امرأة أو شيخ أو مسن أو عازل أو مسلح, ومن ثم قاموا برمي الجثث في بئر القرية, وقد وصل عدد الشهداء فيها إلى 254 شهيدا. ومن المجازر الشهيرة أيضا, مجزرة بيت دراس, تلك المجزرة الوحشية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على جبن الجيش الإسرائيلي في التعامل مع الإنسانية والبشرية, ففي الواحد والعشرون من شهر أيار عام 1948 طوق جيش الاحتلال قرية بيت دراس من كل الجوانب وبدأ في قصف السكان دون تمييز, فما كان من أهل القرية إلا أن يخرجوا الأطفال والنساء بعيدا عن الخطر, وفي طريق الخروج فاجئهم جيش الاحتلال وتصدى لهم بالنيران, وكانوا نساء وأطفال وشيوخ, وقد استشهدوا جميعا وقد وصل عددهم إلى 260 شهيدا. لم يسلم احد من هذه المجازر, حتى الذين قصدوا مسجدا في الله وهو مسجد دهمش في الحادي عشر من تموز عام 1948 واختبئوا فيه فلم يسلموا من هذه المجازر حيث دخلت عليهم وحدة كوماندوس وقتلت منهم 176 ليرتفع عدد الذين استشهدوا في تلك المجزرة إلى 426 شهيدا.

من أكثر المجازر وقاحة, مجزرة كفر قاسم حيث فرض حظر التجول في ساعات المساء آنذاك وحدثت تلك المجزرة في التاسع والعشرين من تشرين الأول عام 1956, فعندما عاد السكان الذين كانوا متواجدين خارج القرية, قام جيش الاحتلال بإطلاق النيران على كل من كان يتجول من العامة, وكانت حصيلة هذه المجزرة, أن استشهد 49 شخصا, والأمر الأكثر وقاحة هو أن اللواء العسكري قدم إلى محاكمة عسكرية, وقد كلف بدفع غرامة قدرها قرش واحد وذلك لأنه ارتكب خطئا فنيا. شهدت مدينة خان يونس مجزرة وحشية بلا حدود, حدثت المجزرة في المنطقة الشرقية للمدينة في الثالث من تشرين الثاني عام 1956 حيث دخلها جيش الاحتلال بالسلاح الفتاك وقصفها قصفا حتى أنهى كل ما عنده, وكانت النتيجة أن استشهد ما يقارب 500 شخص اعزل. كما وقد شهدت مدينة خانيونس مجزرة أخرى بعد تسعة أيام في الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1956 حيث اتبع جيش الاحتلال الطريقة ذاتها التي اتبعها في المجزرة السابقة وكانت النتيجة هذه المرة 275 شهيد من السكان المدنيين العزل. في فترة حرب الأيام الستة أو من عام 1967, قام جيش الاحتلال بتطويق مدينة القدس وقصفها بالقنابل وتدمير البيوت على سكانها وقد اكنت نتيجة هذه المجزرة 300 شهيد. في حرب لبنان عام 1982 دخل جيش الاحتلال إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان وبالتعاون مع الكتائب اللبنانية, استطاع جيش الاحتلال أن يصنع مجزرة من أبشع المجازر على وجه الأرض, فخلال ثلاثة أيام, قام جيش الاحتلال بدخول مخيم صبرا وشاتيلا وقتل كل شيء يتحرك, كان ارييل شارون آنذاك الرأس المدبر لهذه المجزرة والتي استمرت 72 ساعة متواصلة وكانت تلك المدة كافية لان تنهي حياة أكثر من 3500 شهيد اعزل, حيث أثارت تلك المجزرة زوبعة سياسة ودولية كبرى, وقد تنحى شارون من منصبه آنذاك بسببها لكنه سرعان ما عاد إلى حياته السياسية ليواصل مسيرة المجازر البشعة.

القائمة طويلة جدا, وتكاد لا تنتهي, ولكنها قطعا ستنتهي يوما ما. من تلك المجازر مرورا بمجزرة جباليا والتي استشهد فيها 17 مواطنا من سكان مخيم جباليا, نصل إلى مجزرة جديدة تحمل عنوانا جديدا رغم أن الصورة الجغرافية مألوفة لدينا, ألا وهي بيت حانون. وعلى الرغم من أن غزة كانت مسرحا للمجازر الإسرائيلية قبل ذلك إلا أننا سمعنا مؤخرا ببيت حانون. وها هي بيت حانون يدخل اسمها في شهر تشرين الثاني من عام 2006 قائمة المجازر الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني. تلك المجزرة والتي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن عشرين شخصا, أثارت الكثير من النقاط والكثير من الأمور التي تفضح ضعف وجبن وحقارة الجيش الإسرائيلي. فبعد أكثر من نصف عام على تطويق قطاع غزة والعمل على إخماد صواريخ القسام, فان حكومة اولمرت فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع هذا الواقع, وأصبح اولمرت يبحث عن إبرة في كومة قش. ورغم هذه الفترة الطويلة لم يستطع أن يوقف حتى عشر هذه الصورايخ, وإنما زادت قوتها وتطور صاروخ القسام حتى أصبحنا نسمع عن الجيل الجديد من القسام. فما الذي حدث بالضبط, وما الذي جعل الحكومة الإسرائيلية تذبح أبناء بيت حانون, على الملأ.

لو نظرنا إلى تاريخ المجازر, لرأينا أن أكثرها دموية وعنفا ووحشية, هي المجازر التي حصلت عندما كانت إسرائيل تحارب ضد دولة من دول الجوار, ففي عام 1948 كانت هناك الحرب الأولى والتي يسمونها اليهود بحرب "التحرير" أما نحن فنسميها بحرب النكبة, في تلك الحرب بذل الشباب اليهود قصارى جهدهم من اجل الوصول إلى اكبر عدد من المناطق وذبح أهله وذلك من اجل احتلال اكبر قدر من الأرض إلى حين إعلان دولة اليهود لاحقا, وهذا ما جرى. وإذا نظرنا إلى عام 1956 فإننا نرى تلك المجزرة والتي أتت في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر, وكانت إسرائيل تبحث عن هذه المجازر بحثا دقيقا, لكي تكون شرارة لحرب أخرى, بعد أن تراجعت من العدوان الذي لم يحقق لإسرائيل سوى الحقد المتزايد من العرب والعالم, وقد اعتبرت إسرائيل آنذاك قناعا يحركه الغرب كيفما شاء, بل وقد وصفها الاتحاد السوفيتي آنذاك بأنها تتصرف دون علم بما قد يحل عليها, تلك هي إسرائيل تبحث عن المجازر وتختلق هذه المجازر من اجل أن تمهد الطريق لحرب قادمة. وفي الحرب انتهجت إسرائيل الطريقة ذاتها واستغلت الفرصة لان تطيح بالعزل. أما في عام 1973 فلم أرى أي نوع من المجازر, وهذا دليل واضح على أن العلاقة بين المجازر والحروب هي علاقة طردية بلا شك, فلم اسمع أبدا عن مجزرة حصلت في فترة حرب أكتوبر ولا حتى في أعقاب حرب أكتوبر. في عام 1982 بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان, انتهزت إسرائيل الفرصة الذهبية ودخلت إلى لبنان, في تلك الأثناء, استطاعت أن تقوم بالمجزرة الجديدة والتي سميت بصبرا وشاتيلا, وحتى تلك الحقبة, فان باقي المجازر الإسرائيلية قبل بيت حانون ومخيم جباليا, فان المجازر كانت تأتي إما من شخص متطرف أو جماعة متطرفة إلى أن أعلنت إسرائيل حربها على القائد الراحل أبو عمار في عام 2002 ومحاصرته في المقاطعة في رام الله, حيث كانت تلك المجزرة أشبه بالمجازر السابقة التي تزامنت مع الحروب.

المجزرة الأخيرة جاءت بعد الفشل الذريع الذي الحق الجيش الإسرائيلي, وبنخبة النخبة من الجيش الإسرائيلي ومعه ثلاثون ألف جندي احتياط مقابل 800 مجاهد من حزب الله. فلو هزم حزب الله لا سمح الله, لدخت إسرائيل إلى البيوت اللبنانية ولذبحت من فيها, لكي تشعل حربا ضروس, لكنها فشلت وتراجعت, واعدت العدة من جديد وأخذت صواريخ القسام كذريعة فاشلة, فصواريخ القسام, هي ظاهرة لازمت المستوطنين منذ سنين, ولكن إسرائيل تعد العدة لحرب آتية, فدخلت إلى بيت حانون, لتدرب جيشها الذي لم يستطع أن يصمد أمام المقاومة الباسلة. فهي واضحة جدا, ولا تحتاج إلى تأويل وتفسير, إسرائيل تقوم بمجزرة كلما اقتربت حرب في المنطقة, لاسيما وان هذه الحرب ستبدؤها إسرائيل بنفسها مع دول في المنطقة, وبالأخص بعد الهزيمة النكراء في بنت جبيل التي صمدت ثلاثين يوما ولم ولن تسقط رغم أن قائد الأركان الإسرائيلي, أعلن أنها سقت منذ اللحظة الأولى في يد الجيش الإسرائيلي. وها هي بيت حانون تضاف إلى قائمة المجازر, وربما إلى خطوة نحو حرب قادمة, والأيام هي التي ستحكم على الواقع.

Friday, November 17, 2006

إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا

عماد الكبير


من منا لم يتأثر من وحشية هذه الصورة, من منا لم يمتنع عن الأكل لفظاعة هذه الصورة – رغم أن الامتناع عن الأكل ناتج عن الوضع السياسي العام, والفساد المتواصل, وعدم توفر الأكل أصلا –. ومن منا لم يبحث عن المبرر الذي يدفع برجال الأمن إلى فعل مثل هذه الفعلة, والى ارتكاب مثل هذا الإثم. فوحشية الفعلة, جعلتني انتقل من الواقع إلى الخيال, ومن الحقيقة المرة للبحث عن خيال ينسيني هذه الصورة, لكنني فشلت, وعلقت في ذهني, لأنها واقع ملموس وحقيقة لا يجب أن نتناساها مهما حدث.

لقد كانت صرخات الضحية, صرخات مدوية, موجعة حتى أني كدت اكسر شاشة الحاسوب لشدة الألم الذي يشعر به المسكين, فهذه "العملة" أولا وأخيرا, هي وحشية بكل المقاييس ولا يفعلها سوى معتوه أو مجنون أو مريض نفسي, وعلى الأرجح فان الخيار الثالث هو الأكثر ملائمة للوصف الذي ينطبق على الفاعل وعلى الذين كانوا حوله يتمتعون برؤية هذا المنظر, والذي للأسف بدأت ألاحظ انه تحول إلى ظاهرة, وان كانت فظاعة هذه الفعلة لا تحتمل فان فظاعة الفاعل لا توصف.

صراحة لم أكن انوي أن اكتب عن هذه الحادثة, والتي أتمنى أن تكون مجرد حادثة فردية وان يتعاقب المسئول فيها قبل الفاعل. ولكني وجدت ضميري يؤنبني حول ما يمليه علي ضميري ألتدويني, فان هذا الوجه البريء هو أكثر دليل إدانة لضميري يوم الحساب, لأني نذرت قلمي أن يكون منبر حق, ومن هذا المنطلق تشجعت وسط الكثير من العقبات التي فكرت فيها مليا, والتي كانت في نهاية التفكير توصلني إلى طريق مسدود إلا أني رميت بها عرض الحائط, واتخذت قرارا بان اكتب رأيي, حتى ولو كرهه الآخرون, وأنا على يقين بان رأيي سوف يظهر الحياد الموضوعي, رغم أن الحياد في هذه الحالة يدين الفاعل ويستنكر الحادثة بكل المقاييس. هذا الوجه الذي مر في تلك اللحظة ولم يعرف كيف عاشها, جعلني أعيد الحسابات مرة أخرى, وأعيد الشريط من جديد, على أجد فيه أسلوبا يتبعه الإعلام التشويهي في فبركة الصورة المتحركة, لكني لم أرى سوى حقيقة, وأي حقيقة هي التي تسكت عنها الإنسانية. هذا الوجه, أصبح وما زال الهاجس والصورة العامة للضحايا الذين يقعون تحت رحمة رجال الأمن, والذين باتوا يظهرون بصور غريبة عجيبة في الآونة الأخيرة, أما هذه الحالة فلا بد وان تكون لها دوافع وان يكون ورائها سبب هام جدا, ولكننا للأسف الشديد, نجهل هذا الدافع المجنون.

إذا كانت هذه الصرخات ناتجة عن شخص عذب في قسم شرطة, كتب على بابه "الشرطة في خدمة الشعب", أو بما معناه الشرطة في خدمة الشعب, فان ذلك مصيبة, وإذا كانت هذه الصرخات ناتجة عن "ظاهرة" لدى قوى الأمن, فالمصيبة أعظم. لقد سمعت كثيرا عن ما يسمى بسجن أبو غريب, وغوانتنامو وسجون النازيين, حتى أني قرأت ذات يوم أن السجون النازية كانت تخفي الأمور عن الجنود الذي يشرفون على التعذيب, فكانت غرفة التعذيب تتكتم على الأحداث التي بداخلها إلى درجة أن الحارس الذي يقف على باب الغرفة, لا يعرف ما يدور بالداخل. إلا أن النازية, بكل "وحشيتها" التي نسبت إليها لاحقا وبكل الفوضى التي سميت بـ "المحرقة" – والتي اشك فيها أصلا – لم تقمع الأبرياء بهذا الشكل ولم تقمع حتى الأعداء بهذه التصرفات الشاذة. لن أبالغ إن قلت أن عقاب الفاعل هو الإعدام, لان الإعدام لن يمسح العار الذي غمر شرطي الأمن من أعلى رأسه إلى أخمص رجليه, ولان العار لم يركب أي شخص عادي وإنما ركب شرطي امن أؤتمن على حياة أكثر من سبعون مليون مواطن وآلاف السنوات من الحضارة.

كثيرون هم الذين تحدثوا عن هذه الحادثة, ولكن ليس بشكل رسمي تماما, فالحديث كان ضمن إطار المدونات الغير رسمية أو بمعنى اصح, المدونات التي تتبع لأشخاص وليس لمؤسسات. وكثير علقوا على هذه الحادثة, فنشر مقطع الفيديو على كثير من المواقع, إلا أني ومن اللحظة الأولى في كتابة هذا المقال, تجنبت تماما إدراج مقطع الفيديو لأنه باختصار شديد, لا يحتمل. لذلك اكتفيت بوضع صورة للضحية. كثيرون هم الذين كتبوا في الموضوع, معلقين على الموضوع من كل جوانبه, ففي مدونة "وأنا مالي", قام الأخ براء بوصف الحادثة بأنها جرت في "إثم" شرطة وليس قسم شرطة, وقام بوضع الكثير من النقاط التي يسخر بها من الوضع العام ككل. براء لم يبالغ في وصفه بقسم الشرطة بإثم الشرطة, بل هو محق تماما, كما أن التعليقات التي أدلى بها, أضحكتني ضحكة صفراء, كانت تتسم بالبكاء الداخلي والألم عن بعد, والحزن الشديد على الواقع المرير الذي نعيشه. أما وائل عباس صاحب جريدة الوعي المصري, فانه تقيأ بعد مشاهدته, رغم انه حذر القراء من مراجعة أنفسهم قبل مشاهدته, وعلى ما يبدو أن التقيؤ جاء من مصلحة القراء. فصعبة جدا هي الحادثة, والأصعب هو شخصية الفاعل التي ما زلت افتقر إلى تحديد وصف يلائمها ويتطابق معها, بل ويجمع بين هذه الحادثة, وبين البزة التي يرتديها.

لقد علمتنا الحياة أمورا عديدة ومنها السينما, ومن خلال السينما عرفنا كيف يسرد المؤلف والمخرج الوقائع والأحداث التي تؤثر في المشاهدين. ومن بين الأمور التي عرضت منذ سنوات, كان فيلم قد نسيت اسمه يتحدث عن اغتصاب سجناء في إحدى سجون الولايات المتحدة الأمريكية, وفي نهاية الفيلم وبعد مرور عشرون عاما عاد المغتصب به وقتل المغتصب. كان الدافع للمغتصب انه أراد التمتع فحسب, وكان الضحية يتألم, وكان المشاهدون يتألمون معه, إلا انه وضع حدا لمأساته, بان قتل المغتصب, هذا الأمر رأيناه في فيلم عمارة يعقوبيان أو شيء من هذا القبيل. إلا أن الضحية في قسم الشرطة, غلبان. وبالعودة للمغتصب, فانه لا تحليل له سوى انه مريض نفسي, فما التهمة التي قام بها هذا المواطن, حتى ينال هذا العقاب الشنيع, حتى انه في أقصى العقوبات, لا يجوز اغتصابه بهذه الصورة الشنيعة. هذا الضابط أو سمه كما شئت, يفتقر إلى الحس الإنساني الطبيعي, ولقد ذكرني بفيلم قديم لعادل إمام, أحداثه تدور حول أمر مشابه, ولكن المغتصب, أعطي شخصية طاغية, والضحية أعطوا شخصيات مواطنين, كل ذنبهم أنهم مواطنون سقطوا سهوا تحت رحمة احد الضباط المرضى نفسيا وعقليا.

كانت صرخات عادل إمام وهو ينال حصته من العذاب , فكانت جملة عادل إمام التي تقول: إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا, كانت تعبر عن حالة فريدة حينما وقع عادل إمام ومن معه في أحداث الفيلم تحت رحمة شخص يمتلك السلطة فاستغلها, أما الضحية في فيلمنا, فانه يطلب من الضابط أن لا يستعمل معه هذا الأسلوب "المرة دي" أي انه قد استعمل معه هذا الأسلوب مرة تلو مرة, وهذا الشخص ذاق العذاب مرة تلو مرة. صرخات كررها الزمان في ظرف مكان جديد, ولكن الفرق بين الموضعين مختلف قليلا, فعادل إمام يقوم بتمثيل الدور, أما في قصتنا, فلا تمثيل. وفرق آخر, أن عادل إمام كان يلبس شيئا, أما في فيلمنا الواقعي هذا, فان الضحية لا يلبس بنطالا. في أحداث الفيلم, لاحظنا أن الشخص الذي يتملك السلطة وزمام الأمور, ليس بمنحرف جنسيا, ولم يندفع من ثار شخصي, وإنما كان مريضا نفسيا, وهذا ما رايته في مقطع الفيديو, وبغض النظر عن تهمة الضحية – إذا كان قد فعل شيئا أصلا – فان العقاب الذي ناله, هو عقاب حرم من قبل الأديان كلها, ومن قبل حقوق الإنسان, بل هو عقاب كان الأتراك يستعملوه قديما, وهو العقاب الذي استغل لتلطخ به السياسة التركية آنذاك. أما الفاعل فهو قطعا شخص مريض نفسيا وعقليا, وجسمانيا, وما هو إلا تافه منحط, وأعيد وأقول أني ما زلت افتقر إلى وصف لهذا الشخص. تألمت حقا لما رأيت في مقطع الفيديو, وأنا أوافق الإخوة الذين حذروا من مشاهدته, فهو لا يسر عدو ولا صديق, واعذروني فنحن فيزمن العجائب والغرائب والعصا لمن عصا, على أمل أن يقوم كل الشعب المصري بتكسير عظام الفاعل والمسئول قبل عبد المأمور, إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا.

Friday, November 10, 2006

عامان على رحيل .. ياسر عرفات

أبو عمار


مر عامان على رحيل القائد الفلسطيني ياسر عرفات, ولم أشعر بهذه الفترة الطويلة نسبيا, فعامان هي فترة غير قصيرة, ففي عامان, تتجدد أمور وتولد أمور وتموت أمور ولكني اشعر أنهما يومان فقط. رحل عرفات قبل عامان وما زلت احتفظ بالجريدة التي اشتريتها بعد يوم من وفاته, كانت الجريدة عبارة عن مأتم في مأتم, وما الغريب, فقائد الشعب الفلسطيني قد مات. كانت صلاة الجمعة التي أتت بعد يوم واحد من وفاته حيث اشتريت الجريدة, كانت صلاة صعبة للغاية. فالجيش الإسرائيلي وضع الحواجز الأمنية على كل المداخل المؤدية للمسجد الأقصى, عمت الفوضى في كل أرجاء القدس الغربية والشرقية, وكانت المخاطر تمر من فوقنا وتحتنا ومن كل زاوية وركن.

كانت الجريدة منبرا من منابر الشعب الواسعة, وكانت كل صفحة تمتاز بكبر الخط العريض, حيث تسابق الشعب الفلسطيني كله ليتقدم بالنعي على صفحات الجرائد, فكانت الجريدة مليئة بالإعلانات السوداء, والرثاء في قائد الأمة الفلسطينية. وكانت صور الرئيس الراحل تملئ الصفحات الأخيرة, وكأنها أرشيف. من بين هذه الصور, صورته من جمال عبد الناصر, ومع كلينتون, وصورة أثارت استعجابي وفضولي, هي صورة مع صدام حسين بجانبه, ومن الجانب الآخر كان يقف حسني مبارك, ولعل الأصدق بين الثلاثة هو عرفات. فصدام مد البساط الأحمر للأمريكان في سنوات حكمه, وفي النهاية اختبأ في جحر, ووصل إليه الأمريكان إلى هذا الجحر وأخرجوه وجعلوه عبرة لمن لا يعتبر. أما مبارك, فطيلة الثلاثة عقود الماضية, أوهم شعبه انه في طريق الإصلاح, وما نجده اليوم من ثلاثة وسبعين ألف قضية فساد في السنة هو دليل على إصلاح مبارك, والجوع والمجاعة والبطالة وأخيرا, قمع الحريات حتى الكلام الذي لا يرضى عنه مبارك ومن حوله. لكن عرفات ذهب ضحية, وقدم للشعب الفلسطيني ما لم يستطع العرب أن يقدموا ابدآ, فلولا عرفات لما اعترف احد بحقوق للفلسطينيين, وغير ذلك يعتبر هراء.

كانت الفوضى تعم القدس, في يوم الثاني عشر من نوفمبر قبل عامان, ذهبت إلى المسجد الأقصى لأصلى صلاة الجمعة اليتيمة والموافقة ليوم التاسع والعشرون من رمضان, لكن الجنود منعوني, قاموا بفحص هويتي وعندما رأوني لم ابلغ سن الخامسة والأربعون, منعوني من الدخول, كنت أنا وأبي واحد أعمامي, سمحوا لأبي بالدخول أما أنا وعمي فلا, ولكن عمي كان ذكيا حينها فاستطاع أن يقنع الجندي الإسرائيلي بأنه يبلغ الخامسة والأربعون, وقد صدقه الجندي وذلك للتجاعيد على وجه عمي وطريقة عرض الكذبة, أما أنا فصليت مع آلاف وآلاف مثلي في الشارع الخارجي, وكنت قد أعطيت أبي الزكاة ليودعها عند لجنة زكاة القدس وذلك لأني لا أستطيع الدخول.

بعد الصلاة رأيت مناوشات بين المصلين والجيش الإسرائيلي, أدركت أني على وشك أن أكون في خطر, وما أن أردت الانصراف حتى وقف أمامي صحفي أجنبي يسألني إن كنت اعرف أن أتكلم الإنجليزية, ووافقت أن يجري معي حوار حول ما يحدث في القدس, فقلت إن الجيش الإسرائيلي أوقفنا مثل الحيوانات وهذا يدل على همجية سياسة إسرائيل وهمجية الحكومة الإسرائيلية وان هذا ضد حريات المواطن في أداء عباداته بحرية, وقد سألني عن عرفات وهل هناك تأثير لموت عرفات على ما يحدث, فقلت ربما ولكن هذه الجمعة اليتيمة وهي من أهم الأيام في أواخر رمضان, وما أن أنهيت كلامي حتى رأيت خلفي ألف شخص وشخص, يهتفون بحياة عرفات ويرمزون بالسبابة والوسطى علامة الانتصار, كما كان يفعلها أبو عمار.

عامان مرا .. ونشر هذا الحوار, على قناة أجنبية اسمها أي تي في نيوز. عامان مرا كالبراق, وما زلت اذكر تفاصيل ذلك اليوم المشحون. والصلاة على الشارع, حتى مصور الجزيرة صلى بجانبنا وصورنا أيضا, عم الحداد أربعون يوما, ولم تبث إذاعات الراديو الفلسطينية العامة والخاصة سوى تلاوة من الذكر الحكيم مدة أربعون يوما, اعلم أن هذا لن يعيد عرفات ولكنه يطمئن القلوب. رحل أبو عمار, وبكى آلاف وملايين عليه, وكانت فئات من المتخاذلين, قد انتهزوا الفرصة لإخراج حقدهم على شخص مات وهو في معطف لنم يغيره, وحطة لم ينزلها عن رأسه, وعمت الفوضى كل فلسطين, وما زال السبب وراء وفاة الرجل الحديد غامض. ولو أردت الكتابة عن موت عرفات وإبعاد ذلك على الشارع الإسرائيلي والعربي بشكل عام في يوم الوفاة وما بعدها بيومين حتى عيد الفطر الذي ملأته الأحزان, لاحتجت إلى مئات الصفحات, ولكني الخص كل ما قيل عنه بجملة واحدة : العالم يحزن ويودع .. أبو عمار

Friday, November 03, 2006

قناص بغداد .. يرعب الأمريكان

إحدى ضحايا القناص


لحظة بلحظة, يمر الجندي الامريكي من الاحياء الفقيرة في العراق, للوصول الى اهدافه وتدميرها. ولكنه يذهل ويخذل ويصاب بجنون الوهم عندما يتلقى رصاصة طائشة من مسلح مجهول أصبح يسمى بقناص بغداد او قناص العراق. هذه الظاهرة الجديدة أتت اكلها واصبحت هاجسا لدى الجيش الامريكي, والجيوش التي تقف من وراء الجيش الامريكي, فهذه الظاهرة صنعت صورة واضحة لوضع الجندي الامريكي او كما يسمونه "الدولي".هذه الظاهرة اعطته صورة واضحة عن وضعه وعن المخاطر التي تحدق به طوال الوقت.

الجيش الامريكي في العراق والذي يحمل ميزة الاحتلال, يعيش حرب العصابات, فكل ما يشغل بالهم هو الرصاصة القادمة, فيخططون لها ويدبرون لها ويدفعون الملايين من اجل معرفة مصير الرصاصة التالية واين ستسقر. هذا الخوف والهلع حصل اثر ظاهرة قناص بغداد, وهذه الظاهرة ما هي الا امتداد لظاهرة تفجير المدرعات الامريكية والتواجد العسكري الامريكي. وكله في نهاية الامر يصب في خانة هدف واحد وهو دحر الاحتلال الامريكي, من العراق. ذاك الاحتلال الذي ولد بصورة غير شرعية, ولم يات بنتيجة واحدة مما طمح اليه مصممه جورج بوش. وها هو قناص العراق يثبت لبوش ان العراق ما يزال ينبض بالروح القتالية.

وسواء كانت هذه الظاهرة جديدة ام قديمة, فانها تدفع الامريكان الى اتخاذ اقصى درجات الحذر. فهذه الظاهرة منتشرة في كل ارجاء العراق والمشكلة الصعبة فيها ان الاجهزة المستخدمة ليست الا قناصة ومعها قناص, اما القناصة فيمكن تركيبها في دقائق معدودة وهي تنتقل في حقيبة مثل حقيبة جيمس بوند وهذا هو الامر الصعب حيث ان الحجم الصغير نسبيا الى سلاح يصيب الهدف بدقة, هي مشكلة عويصة أوي أوي. وهذه بحد ذاتها الاستراتيجية التي يسير عليها القناص في العراق.

Wednesday, November 01, 2006

ثورة الإعلام العربي, الجزيرة في عامها العاشر


* على قمة الإعلام العربي الأكثر حرية واستقلالية ومصداقية وموضوعية واتقانا, تقبع مؤسسة الجزيرة الإعلامية وتحتفل بذكرى العاشرة لانطلاقتها. في البدء كانت قناة الجزيرة القناة الإخبارية الأولى من نوعها في العالم العربي, فقد كان الإعلام العربي يفتقر إلى قناة مثل الجزيرة. فالمشاهد العربي مل وكره الإعلام المتكرر, والحياة الروتينية القاتلة التي جعلت من التلفاز منبرا لجلالة الملك, وفخامة الزعيم, ودولة الرئيس, وحاشية الملك وخدم الملك, وما ملكت أيمان الملك. المواطن العربي مل هذا الروتين وأصبح يتجه إلى قنوات أجنبية توفر له مشاهدة الحقيقة كما هي ولا تتبع لأي جهة معينة, فبدأ المشاهد العربي يبحث عن الإعلام المحايد والحر, ولكن العالم العربي كان يفتقر إلى هذا الإعلام.

* في منتصف التسعينيات من القرن الماضي, كثرت ظاهرة الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية في العالم العربي, وأصبحنا نشاهد أكثر من عشرون قناة عربية متنوعة, منها التابع للحكومات ومنها الدعائية التابعة لشبكات قنوات أجنبية وأخرى. كانت هذه إحدى نقاط الذروة في عالم الأقمار الصناعية لدى العالم العربي, ومن ثم تطور المشاهد العربي ليشهد نقلة نوعية إلى أن وصل به الحال لمتابعة أكثر من 150 قناة فضائية عربية ناهيك عن القنوات الأجنبية التي تغطي منطقة العالم العربي كله. الجزيرة ومع أول انطلاقتها عام 1996, لاقت إقبالا من كل مشاهد كان ينتظر أن يرى قناة عربية تبث من العالم العربي مثل ألبي بي سي والسي إن إن, إلا أن هذا الحلم تحقق فقط في أول نشرة إخبارية قدمها جمال ريان على قناة الجزيرة والتي كانت الأولى من نوعها في العالم العربي.

* رأى المشاهد العربي في الجزيرة, النقلة النوعية التي كان ينتظرها, وكانت الجزيرة فكرة عظيمة وخطوة نحو النجاح الذي شهدناه لاحقا من تغطيات حروب وقضايا مهمة وشائكة والاهم من ذلك هو إنقاذ المشاهد العربي من الروتين القاتل ومن الإعلام الكاتم للحقيقة. ففكرة الجزيرة تنوعت بتنوع ألوان الطيف, وأصبحنا نرى في الجزيرة النافذة الأكثر مصداقية للمشاهد العربي ليرى هموم المواطن العربي وليسمع الصوت العربي الذي ينادى بالحريات. وبهذا, أصبحت الجزيرة هي القشة التي تعلق عليها المشاهد العربي لمعرفة الحقيقة دون انحياز. وشيئا فشيئا, تحولت هذه القشة من قشة إلى زورق ومن ثم إلى أسطول من السفن التي تبحر في بحر الإعلام العربي الذي كان فيه المشاهد العربي إما جالسا على الشاطئ وإما غارقا فيه لا يعرف ماذا يدور على سطح هذا البحر, إلى أن أتت الجزيرة لتصحب المشاهد العربي على متن سفنها ولتبحر معه إلى ما يريد أن يعرف وما كان محظورا عليه أن يعرف.

* لطالما اعتبرت قناة الجزيرة في مسيرتها المكللة بالنجاح, قناة تقف من وراءها أياد خفية. ولطالما اعتبرت الجزيرة من الوسائل المهمة لدى الحكومة القطرية في توجيه الرأي العام العربي من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب, ومن معارض للتصرفات في الحكومة القطرية إلى منحاز معها. الجزيرة هوجمت عدة مرات من مختلف رجال السياسة ومن مختلف الدول العربية والغربية, بل واتهمت عدة مرات أنها تعمل لحساب المخابرات الأمريكية والإسرائيلية, بل واتهمت أنها وراء معاناة الشعب العربي والتخلف الذي لحق بالشعب العربي, وكانت ذريعة المدعين هذه الادعاءات أن الجزيرة لا تعرض مشاكل وقضايا الدولة القطرية. لكن الجزيرة حرصت على تقديم كل خبر يستحق النشر سواء كان ايجابيا أو سلبيا, وليس في العالم الخارجي فحسب بل في قطر بعينها, فالجزيرة طرحت هذا الموضوع عدة مرات, وفي لقاءات عدة كان المسئولون عن قناة الجزيرة يوضحون أن الدولة القطرية صغيرة المساحة ومشاكلها تأتي بحجم مساحتها أي أن قطر وعلى الرغم من أنها تحتضن الجزيرة إلا أن الجزيرة كانت على استعداد وقبل أي احد بنقل أي خبر وبنشر أي خبر أو قضية تنطلق من قطر. وقد حرصت الجزيرة على هذا الأساس, فمن خلال العشر أعوام الماضية بثت الجزيرة أخبارا عدة تتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية لدولة قطر, وكانت تبث في كل مناسبة ومناسبة أمورا تعد من خصوصيات دولة قطر, ولكن المعارضين للجزيرة استفحلوا في اعتراضاتهم أكثر وأكثر.

* من الحكمة الواعظة والإدارة الناجحة, أن جعل مؤسسي قناة الجزيرة وشبكة الجزيرة بشكل عام, القيادة في موظفي الجزيرة, فبالرغم من أن الجزيرة انطلقت تحت رعاية وتمويل أمير قطر, إلا أن الكادر المهني والإداري في القناة لا يتبع لأي شخص من العائلة الحاكمة في قطر, وهذا بحد ذاته يعد ذروة الحريات الإعلامية. ففي مسيرة الجزيرة خلال الأعوام العشرة الأخيرة كانت سياسة القناة أن تحرير الأخبار لا بد وان يكون في أعلى مستوى المحايدة, ومن هذا المنطلق كان ولا بد أن يتم ترك الموظفين في قناة الجزيرة يعملون بكل حرية كما هم منذ عشر سنوات. ومن اجل ذلك تم تعيين وضاح خنفر مديرا عاما لقناة الجزيرة ومن ثم مديرا عاما لشبكة الجزيرة في قطر, وأصبحت بذلك الجزيرة حرة بلا حدود, وان لم تكن لها حدود من قبل ولكن إعطاء الإدارة لمراسل يعمل في الجزيرة فهو أمر عظيم في حرية الإعلام. ولعل هذا لا نجده حتى في الإعلام الغربي, فنجد أن المدير العام تتماشى آراءه مع آراء مؤسسته الإعلامية أو العكس صحيح, وهذا نابع من التأثير على مجريات العمل في تلك المؤسسات. ولكن الجزيرة كانت تنتهج طريقا آخر, فبالرغم من أن الجزيرة في سنواتها الأولى كانت الإدارة تتبع للعائلة الحاكمة في قطر, إلا أن السياسة العامة للجزيرة كانت مستقلة وحرة. ومع تولي وضاح خنفر مسئوليته الجديدة, فلم تتغير الجزيرة كثيرا وإنما زادت ثقتها بنفسها, تلك الثقة التي منحتها إياها دولة قطر وأمير قطر.

* في أول تغطية هامة للجزيرة, كانت في عامها الثاني وذلك خلال القصف الأمريكي للعراق عام 1998, كانت نقلة نوعية بحد ذاتها, وأصبح المشاهد العربي يرى القصف ساعة بساعة ولحظة بلحظة, ولم يعد أي حاجز بين المشاهد والأحداث الدامية التي تحصل في العراق آنذاك. هذا الجو الإعلامي الحر والمليء بالتقارير اليومية عن همجية الهجوم والذي كان من أساسه تغطية لفضائح بيل كلينتون مع مونيكا, استشاط غضب الولايات المتحدة الأمريكية جدا, وأصبحت الجزيرة من ضمن قائمة الأعداء الغير مباشرين للولايات المتحدة الأمريكية, حيث استقطبت الجزيرة انتباه الملايين في شتى أنحاء العالم.

* في لقاءات مع شخصيات مهمة دوليا وعربيا, من رؤساء ومسئولين وحتى إرهابيين مثل بن لادن, كانت الجزيرة هي السباقة. فعلى المستوى العربي والإسلامي, كانت الجزيرة وما زالت هي العنوان الأكثر اهتماما في عيون شخصيات عدة. ومع مرور الوقت, تأكدت الشخصيات المهمة التي ظهرت على شاشة الجزيرة, بان الجزيرة مشروع إعلامي حر بحت, ومن هذا المنطلق أصبحت الجزيرة عنوان المنبر الحر المفتوح على كل العالم العربي والدولي. وأصبحت وكالات الإنباء تتجه إلى نقل الشرائط المصورة للقاءات وبيانات وخطب وأخبار شخصيات كثيرة مهمة ومثيرة للجدل حيث كانت الجزيرة هي السباقة في معرفة أخبارهم وتطلعاتهم. وباتوا هم يبحثون عن الجزيرة قبل غيرها. كل هذه الأمور أزعجت السلطات الأمريكية الاستخباراتية, بل والعربية في كثير من الأوقات, وأصبحت الجزيرة في عيون الاستخبارات الأمريكية وغير الأمريكية – ممن لهم مصالح في الشرق الأوسط والعالم العربي – محط أنظار الجميع.

* في التغطيات الخطيرة جدا كالحرب على أفغانستان بعد التغطية المتميزة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر, كانت الجزيرة تحافظ على اتزان تام, وعلى حيادية واضحة وتقدم التقارير اليومية مما جعل المشاهد لقناة الجزيرة يشعر انه يعيش الحرب لحظة بلحظة. فعندما انطلقت أول رصاصة أمريكية كانت كاميرا الجزيرة هي السباقة والأولى في تصوير وقائع الحرب, وهمجية العدوان الأمريكي, ومعاناة الشعب الأفغاني. ومن هنا أثبتت الجزيرة أن تكميم الأفواه الذي يمارس ضدها هو ضريبة لنجاح وانفراد الجزيرة بتقديم الأخبار الموضوعية والمصداقية. فخلال الحرب على أفغانستان اعتقل مصور لقناة الجزيرة وهو سامي الحاج, واخذ إلى معتقل غوانتنامو المشهور, وهو لم يفعل شيئا سوى أن حمل كاميرا الجزيرة وحاول جاهدا أن ينقل معاناة الشعب الأفغاني, ومنذ الحرب على أفغانستان إلى احتفال الجزيرة بعامها العاشر ما زال سامي الحاج في معتقل غوانتنامو دون أن يقترف أي ذنب.

* أصبحت الجزيرة محط أنظار للجميع, وأصبحت شوكة في حلق الإمبريالية والاستعمار, فالتقارير التي تشير إلى معاناة الشعوب والقتل الجماعي والشهداء انطبق نوعا ما على الجزيرة في الحرب الأمريكية على العراق عام 2003. فما أن بدأت الحرب حتى واجهت الجزيرة موجة من التحريضات من كلى الجانبين, فالأمريكان كانوا يتهمون الجزيرة بأنها عميلة للنظام العراقي, ووزير الإعلام العراقي لطالما انتقد الجزيرة في هذه الحرب بزعمه أن الجزيرة تحرض ضد النظام وتبث أخبارا كاذبة, وقد حذر مراسلي الجزيرة عدة مرات. ومع دخول الجيش الأمريكي إلى بغداد, وبالتحديد على أبواب بغداد, وقفت دبابة أمريكية ووجهت فوهتها إلى مكان المراسلين التابعين لقناة الجزيرة, وأطلق جندي أمريكي من رشاش مدفعي طلقات توجهت إلى مكان مراسلي الجزيرة فاستشهد الصحفي طارق أيوب. لم يكن خطءا من الجندي الأمريكي تمييز أن هناك مراسلون ولكنه حدد مراسلي الجزيرة وقتل احدهم. وبهذا أصابت الولايات المتحدة احد الصحفيين المميزين في هذه الحرب ولكن الجزيرة استمرت في التغطية وعلم العالم جميعه همجية الولايات المتحدة الأمريكية في معاملة الحرية الإعلامية.

* في مطلع عام 2006, تناقلت وكالات الأنباء خبرا أن طوني بلير, رئيس وزراء بريطانيا, تحدث هو وجورج بوش الابن حول قناة الجزيرة وإزعاج قناة الجزيرة. فكان الخبر في الصحف يقول أن الاثنان اتفقا على ضرب قناة الجزيرة, وكان المقصود هو ضرب مراكز الجزيرة في الدول المشتعلة بالحروب التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ضد دول ولم تنجح فيها بل غرقت في وحل هو أكثر صعوبة من وحل فيتنام. جاء هذا على لسان احد المقربين ممن سمع هذا الكلام, ولكن الأمور كانت كما هي, زائفة, مجحفة, همجية من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وهذا دليل على أن قناة الجزيرة أخرجت ما في جعبتها وأظهرت الحقيقة بينما كانت الإمبريالية ومعها الاستعمار في مواجهة الجزيرة ولكنهم فشلوا لان الجزيرة هي التي كانت على حق, بينما كان معرضي الجزيرة على خطأ. الجزيرة قدمت تضحيات حتى شهداء, وكان كل هذا من اجل الحرية الإعلامية والمصداقية والموضوعية ومن اجل الرأي والرأي الآخر.

* في شعارها الرأي والرأي الآخر, حافظت الجزيرة على إبقاء نفسها على أعلى مستويات الإتقان في جعل هذا الشعار رمزا للجزيرة. وأصبح هذا الرمز يلازمها في كل أخبارها وتقاريرها بل وحتى برامجها الحوارية الساخنة وهي التي بسببها أغلقت سفارات دول عربية في الدوحة وسحب السفراء منها. وهوجمت الجزيرة بسبب هذه البرامج من جهات عدة, عربية وغربية وحتى من إسرائيل, فلم يكن في صف الجزيرة سوى عنصران لا ثالث لهما, أولهم المشاهد الباحث عن الحقيقة والموضوعية والمصداقية, والعنصر الثاني هو المحايدة في جميع القضايا. أما عن التهم التي وجت وتوجه باستمرار حول الجزيرة ومصر الجزيرة والأيادي الخفية للجزيرة والفوضى الإعلامية التحريضية ضد الجزيرة لم تكن سوى زوبعة في فنجان. فقد حافظت الجزيرة على قوة العزم والإرادة في مسيرتها التي امتدت عشر سنوات وأصبحت مؤسسة إعلامية, تضم القنوات المميزة والأولى من نوعها في العالم العربي. كما وقد أثبتت الجزيرة شعارها الرأي والرأي الآخر في موقعها على الانترنت, والذي يعد اكبر المواقع العربية تصفحا وزيارة, ويعد مكتبة وأرشيفا ضخما لما يبث على الجزيرة ولما يهم المواطن العربي والدولي أيضا.

* في مسيرتها خلال العشر سنوات السابقة, بدأت جهات عديدة في العالم العربي, بتجنيد الأموال والجهود لإطلاق قنوات إخبارية عربية جديدة تشبه بشكلها قناة الجزيرة. لكن قناة الجزيرة كانت وما زالت هي الأولى والأقوى, فبالرغم من أن الجزيرة ابتدأت في عام 1996 بميزانية معينة إلا أنها استطاعت أن تجد لنفسها مكانا على الساحة الدولية وان تنتشر في كل بين عربي من المحيط إلى الخليج. على غرار ذلك اتجهت بعض الجهات من العالم العربي لتؤسس محطات كالجزيرة, وكانت الميزانية ضخمة جدا وتفوق ميزانية الجزيرة ثلاثة أضعاف على الأقل, إلا أن الجوهر الداخلي لهذه القنوات لم يستطع أن يستقطب المشاهد العربي ولم يستطع أن يجذب المشاهد العربي كما فعلت الجزيرة فهو إما منحاز لجهة ما وإما غير صادق وغير مقنع بما فيه الكفاية. وفضلا عن السنوات التي تربى فيها المشاهد العربي على المصداقية والموضوعية في قناة الجزيرة, فانه افتقر في القنوات الأخرى إلى الحياد في كثير من المواضيع والقضايا التي تهمه, لذلك بقيت الجزيرة هي الخيار الأول للمشاهد العربي والدولي أيضا في البحث عن الموضوعية والمصداقية في الأخبار التي تهمه والقضايا التي تعنيه.

* خلال العشر سنوات الماضية حرصت الجزيرة أن تضع بين أهدافها حرية التعبير, الرأي والرأي الآخر, ومن هذا المنطلق بحثت الجزيرة عن مكانها في عقول المشاهدين واستطاعت أن تخترق كل بيت عربي. وتحولت الجزيرة من وسيلة للإعلام الحر النزيه إلى هدف وقدوة لنزاهته ومصداقيته وموضوعيته اللانهائية, وأصبح التقليد لقناة الجزيرة أمرا لا بد منه, ولكن الأصل هو الأصل. ومن خلال هذه التجارب فقد كانت الجزيرة على معرفة تامة أنها أصبحت هدفا يقتدى به ومن هذا المنطلق, أسست الجزيرة مركز التدريب والتطوير الإعلامي, وهو المركز الأكثر قوة من نوعه في العالم العربي حيث أن هذا المركز يعد ويجهز الإعلاميين الجدد لدخول عالم الإعلام. ومن منطلق أن الجزيرة أصبحت الهدف للإعلام العربي الحر, فقد نظمت الجزيرة مهرجان توزيع جوائز ميثاق الشرف المهني, ويعد الحاصل على هذه الجائزة, فائزا كبيرا ومتقدما في مجال الصحافة والإعلام. الجزيرة أصبحت هدفا يدور في فلكها كل مقياس للصحافة النظيفة والإعلام الحر النزيه, فهي المؤسسة العربية الأولى من نوعها التي تزعج الغرب, وترضي مشاهديها في آن واحد. ورغم التكتيم والتشويه اللذان تمارسهم الولايات المتحدة الأمريكية ومن يدور في فلكها, إلا أن الجزيرة تحفظ على دورها في الساحة الإعلامية, بل وتجذب إليها المشاهدين من أقصى بقاع الأرض.

* الجزيرة إذا, مشروع إعلامي هادف ومشروع صحفي شريف, عناصره تجتمع في مجمل شعاراته, وأهمها الرأي والرأي الآخر. الجزيرة انطلقت منذ عشرة أعوام, وانطلقت معها أول شرارة أضاءت للشارع العربي والمشاهد العربي والبيت العربي النور الإعلامي الحر البعيد عن أي إغراءات سياسية أو تداخلات خارجية. بل الجزيرة مشروع متكامل متوحد بحد ذاته. فقد اتبع نهجها آخرون ومشوا في طريق الحرية الإعلامية والذي أصبح منذ عقد من الزمان يسمى بالجزيرة. فالجزيرة أصبحت مصطلحا لسرعة الخبر ومصداقية الخبر وموضوعية القضايا التي تهم المشاهد العربي أينما كان من المحيط إلى الخليج والتي تهم المشاهد حول العالم أيضا. الجزيرة ثورة إعلامية أتت أكلها, وتحملت الكثير من المتاعب والأزمات, وقدمت الشهداء والتضحيات ولاقت الشعوب تلتف حولها وتحتضنها, لأنها قريبة من الشعوب والشعوب قريبة منها, تطرح همومهم وتناقش مشاكلهم وتعطيهم حقهم إعلاميا وأكثر دون تحيز لعوامل أو جهات ودون متاجرة في مصالح احد أو أخبار احد. عشر سنوات من الريادة تحت شعار الرأي والرأي الآخر, ومسيرة الثورة الحرة مستمرة, فكل عام وحرية الرأي بخير.

Friday, October 27, 2006

شر النية .. ما يضحك

ربنا ما يحرمني منك


عندما رأيت هذه الصورة لأول مرة, لم اشكك فيها, فبعض الصور التي نراها, هي صور مفبركة. أما هذه الصورة فقد التقطتها عدسات الصحفيين, وان لم تخني الذاكرة فقد التقطت في شرم الشيخ عندما قم اولمرت بزيارة شرم الشيخ للقاء حسني مبارك "رئيس" أم الدنيا.

للوهلة الأولى شعرت أن هناك محبة كبيرة بين حسني وأهود, فالشخص الذي يقف إلى الشمال والذي يضع علما على معطفه الفاخر, هو أهود اولمرت, الذي يكره العرب والمسلمين, وخصوصا جيرانه, أما العلم الذي يعلقه على صدره فما هو إلا تعبير أن إسرائيل من الفرات إلى النيل. وحاكم النيل هو الذي يقف بالجانب الاخر من الصورة, وهو غني عن التعريف, بل هو لا يحتاج إلى تعريف, لكن الفرق في هذه النقطة هو ان حسني, شارك في حرب اكتوبر المجيدة ورغم تمجيدها من العالم اجمع, الا ان طيلة ثلاث عقود, ضاع هذا التمجيد بسبب اعماله وسياسته الداخلية القمعية, ولا اريد ان اتطرق لهذا الموضوع لان هناك الكثيرين غير من يستحقون السبق في التحدث عن هذا الموضوع. فموضوعي هو هذه الصورة.

جميل ان يضحك الانسان, بل هو صحي ان يضحك الانسان, فكما هو معرف, ان الضحك يحرك سبعة عشر عضلة في الوجه اما الحزن فيوقف اكثر من ثلاثين عظمة في الوجه, وبالتالي هو صحي للوجه, ولعل هذا هو السر في انتفاخ وجهي وخدودي على طول, حتى اني اعتبرت في لحظات عديدة "أبو نفيخة", وهناك من بالغ بوصفي وذهب الى ام الدنيا قائلا باني اشبه حسني مبارك, او البقرة الحلوب. ولكني لم احصل على هذا الشرف بعد, اعني اني لا أرغم احد ان يعيش تحت رحمتي, او ان افرض سلطتي على احد او ان ادوس احد, ولكن شاءت الظروف ان تجمع بيني وبين مبارك في الشبه الوحيد وهو السمنة. ولكني والحمد لله اكل اللحمة وكل ما اشتهي, ولكن سؤالي هو كيف لرئيس يعاني شعبه من الجوع ان يكون سمينا, وكيف له ان يكون بهذه السمنة التي اعتدنا ان نراه فيها طيلة حكمه, والشعب جائع, وباطل عن العمل, ولا يعرف سوى الفول, هذه الاسرار كلها لها اجابة واحدة لكي تتحقق, وهي ان تكون دكتاتورا لكي تطمئن على ضحكتك حين تلقى رئيسا إسرائيليا نحيفا او أمريكيا نحيفا لكي تتباهي بالسمنة التي لديك, فخذوها نصيحة عندما تصبحون رؤساء. مارسوا الاضطهاد والظلم, وشوفوا الصحة كيف بتصير.

وانه لمن اغرب الامور في هذه الصورة, سر الضحكة الكبيرة والفم المفتوح من الأذن اليمنى حتى اليسرى. وبمناسبة سر الضحكة فان في هذه الصورة سران أساسيان, الاول وهو الذي يتعلق بضحكة مبارك فانه حتما وقطعا يتعلق بالزيارة التي قام بها اولمرت الى مصر لحضور هذه القمة, حيث ان مبارك بذلك انعش الاقتصاد والازدهار في شرم الشيخ وانعش معها سوق الدعارة المنظم بمعرفة السلطات المصرية, وعلى اساس أن الظروف تتيح المحظورات, ناهيك عن تلميع الاحذية السياسية, حيث ان مبارك يضحك فرحا بانتصار سياحي من اولمرت. وما هو الا شخص يضحك اولا واخيرا على نفسه, لانه في ورطة لن يرحمه منها شعبه الذي لم يعد يتحمله.

أما الثاني وهو اولمرت, فانه يضحك على مبارك نفسه, فلا سبب يجعل رئيس وزراء إسرائيلي يضحك الا سياسة منتصرة وفرض شروط على جانب معين وفي هذه الحالة فان هذا الجانب هو مبارك بعينه. وسبب الضحكة هو ان مبارك بدأ بتمهيد الطريق لاولمرت لفعلة ما, وحسب اعتقادي فان الحرب الاخيرة على حزب الله, لم تكون سوى جوهر هذه الضحكات, فالحرب وكما اعلن مسئولون انها كانت ستقوم في اشهر قادمة ولكن حزب الله وبعد عمليه الوعد الصادق, قد اشعل النار وكان خطف الجنود شرارة الحرب التي كانت من المفروض ان تكون في مرحلة ما وخلال عام 2007.

اما مبارك فربما عرض عليه اولمرت خطة الحرب, وربما جعله وسيطا لحكومات عربية أخرى (غم عدم حاجته لوسيط, فالعلاقات الطيبة مستمرة), لايصال فكرة وخطة الحرب, والدليل على ذلك ان هذه الصورة اخذت في شهر يونيو أي قبل الحرب بشهر ونصف تقريبا. وعلى الرغم من ان كل هذه مجرد توقعات الا انها كشفت في نهاية الحرب الاخيرة على لبنان. فكم مثيرة للجدل ضحكات الرؤساء وخصوصا من يضحكون على شعوبهم وانفسهم, ومن يضحك يضحك اخيرا.