Friday, November 10, 2006

عامان على رحيل .. ياسر عرفات

أبو عمار


مر عامان على رحيل القائد الفلسطيني ياسر عرفات, ولم أشعر بهذه الفترة الطويلة نسبيا, فعامان هي فترة غير قصيرة, ففي عامان, تتجدد أمور وتولد أمور وتموت أمور ولكني اشعر أنهما يومان فقط. رحل عرفات قبل عامان وما زلت احتفظ بالجريدة التي اشتريتها بعد يوم من وفاته, كانت الجريدة عبارة عن مأتم في مأتم, وما الغريب, فقائد الشعب الفلسطيني قد مات. كانت صلاة الجمعة التي أتت بعد يوم واحد من وفاته حيث اشتريت الجريدة, كانت صلاة صعبة للغاية. فالجيش الإسرائيلي وضع الحواجز الأمنية على كل المداخل المؤدية للمسجد الأقصى, عمت الفوضى في كل أرجاء القدس الغربية والشرقية, وكانت المخاطر تمر من فوقنا وتحتنا ومن كل زاوية وركن.

كانت الجريدة منبرا من منابر الشعب الواسعة, وكانت كل صفحة تمتاز بكبر الخط العريض, حيث تسابق الشعب الفلسطيني كله ليتقدم بالنعي على صفحات الجرائد, فكانت الجريدة مليئة بالإعلانات السوداء, والرثاء في قائد الأمة الفلسطينية. وكانت صور الرئيس الراحل تملئ الصفحات الأخيرة, وكأنها أرشيف. من بين هذه الصور, صورته من جمال عبد الناصر, ومع كلينتون, وصورة أثارت استعجابي وفضولي, هي صورة مع صدام حسين بجانبه, ومن الجانب الآخر كان يقف حسني مبارك, ولعل الأصدق بين الثلاثة هو عرفات. فصدام مد البساط الأحمر للأمريكان في سنوات حكمه, وفي النهاية اختبأ في جحر, ووصل إليه الأمريكان إلى هذا الجحر وأخرجوه وجعلوه عبرة لمن لا يعتبر. أما مبارك, فطيلة الثلاثة عقود الماضية, أوهم شعبه انه في طريق الإصلاح, وما نجده اليوم من ثلاثة وسبعين ألف قضية فساد في السنة هو دليل على إصلاح مبارك, والجوع والمجاعة والبطالة وأخيرا, قمع الحريات حتى الكلام الذي لا يرضى عنه مبارك ومن حوله. لكن عرفات ذهب ضحية, وقدم للشعب الفلسطيني ما لم يستطع العرب أن يقدموا ابدآ, فلولا عرفات لما اعترف احد بحقوق للفلسطينيين, وغير ذلك يعتبر هراء.

كانت الفوضى تعم القدس, في يوم الثاني عشر من نوفمبر قبل عامان, ذهبت إلى المسجد الأقصى لأصلى صلاة الجمعة اليتيمة والموافقة ليوم التاسع والعشرون من رمضان, لكن الجنود منعوني, قاموا بفحص هويتي وعندما رأوني لم ابلغ سن الخامسة والأربعون, منعوني من الدخول, كنت أنا وأبي واحد أعمامي, سمحوا لأبي بالدخول أما أنا وعمي فلا, ولكن عمي كان ذكيا حينها فاستطاع أن يقنع الجندي الإسرائيلي بأنه يبلغ الخامسة والأربعون, وقد صدقه الجندي وذلك للتجاعيد على وجه عمي وطريقة عرض الكذبة, أما أنا فصليت مع آلاف وآلاف مثلي في الشارع الخارجي, وكنت قد أعطيت أبي الزكاة ليودعها عند لجنة زكاة القدس وذلك لأني لا أستطيع الدخول.

بعد الصلاة رأيت مناوشات بين المصلين والجيش الإسرائيلي, أدركت أني على وشك أن أكون في خطر, وما أن أردت الانصراف حتى وقف أمامي صحفي أجنبي يسألني إن كنت اعرف أن أتكلم الإنجليزية, ووافقت أن يجري معي حوار حول ما يحدث في القدس, فقلت إن الجيش الإسرائيلي أوقفنا مثل الحيوانات وهذا يدل على همجية سياسة إسرائيل وهمجية الحكومة الإسرائيلية وان هذا ضد حريات المواطن في أداء عباداته بحرية, وقد سألني عن عرفات وهل هناك تأثير لموت عرفات على ما يحدث, فقلت ربما ولكن هذه الجمعة اليتيمة وهي من أهم الأيام في أواخر رمضان, وما أن أنهيت كلامي حتى رأيت خلفي ألف شخص وشخص, يهتفون بحياة عرفات ويرمزون بالسبابة والوسطى علامة الانتصار, كما كان يفعلها أبو عمار.

عامان مرا .. ونشر هذا الحوار, على قناة أجنبية اسمها أي تي في نيوز. عامان مرا كالبراق, وما زلت اذكر تفاصيل ذلك اليوم المشحون. والصلاة على الشارع, حتى مصور الجزيرة صلى بجانبنا وصورنا أيضا, عم الحداد أربعون يوما, ولم تبث إذاعات الراديو الفلسطينية العامة والخاصة سوى تلاوة من الذكر الحكيم مدة أربعون يوما, اعلم أن هذا لن يعيد عرفات ولكنه يطمئن القلوب. رحل أبو عمار, وبكى آلاف وملايين عليه, وكانت فئات من المتخاذلين, قد انتهزوا الفرصة لإخراج حقدهم على شخص مات وهو في معطف لنم يغيره, وحطة لم ينزلها عن رأسه, وعمت الفوضى كل فلسطين, وما زال السبب وراء وفاة الرجل الحديد غامض. ولو أردت الكتابة عن موت عرفات وإبعاد ذلك على الشارع الإسرائيلي والعربي بشكل عام في يوم الوفاة وما بعدها بيومين حتى عيد الفطر الذي ملأته الأحزان, لاحتجت إلى مئات الصفحات, ولكني الخص كل ما قيل عنه بجملة واحدة : العالم يحزن ويودع .. أبو عمار

0 تعليقات: