Friday, November 17, 2006

إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا

عماد الكبير


من منا لم يتأثر من وحشية هذه الصورة, من منا لم يمتنع عن الأكل لفظاعة هذه الصورة – رغم أن الامتناع عن الأكل ناتج عن الوضع السياسي العام, والفساد المتواصل, وعدم توفر الأكل أصلا –. ومن منا لم يبحث عن المبرر الذي يدفع برجال الأمن إلى فعل مثل هذه الفعلة, والى ارتكاب مثل هذا الإثم. فوحشية الفعلة, جعلتني انتقل من الواقع إلى الخيال, ومن الحقيقة المرة للبحث عن خيال ينسيني هذه الصورة, لكنني فشلت, وعلقت في ذهني, لأنها واقع ملموس وحقيقة لا يجب أن نتناساها مهما حدث.

لقد كانت صرخات الضحية, صرخات مدوية, موجعة حتى أني كدت اكسر شاشة الحاسوب لشدة الألم الذي يشعر به المسكين, فهذه "العملة" أولا وأخيرا, هي وحشية بكل المقاييس ولا يفعلها سوى معتوه أو مجنون أو مريض نفسي, وعلى الأرجح فان الخيار الثالث هو الأكثر ملائمة للوصف الذي ينطبق على الفاعل وعلى الذين كانوا حوله يتمتعون برؤية هذا المنظر, والذي للأسف بدأت ألاحظ انه تحول إلى ظاهرة, وان كانت فظاعة هذه الفعلة لا تحتمل فان فظاعة الفاعل لا توصف.

صراحة لم أكن انوي أن اكتب عن هذه الحادثة, والتي أتمنى أن تكون مجرد حادثة فردية وان يتعاقب المسئول فيها قبل الفاعل. ولكني وجدت ضميري يؤنبني حول ما يمليه علي ضميري ألتدويني, فان هذا الوجه البريء هو أكثر دليل إدانة لضميري يوم الحساب, لأني نذرت قلمي أن يكون منبر حق, ومن هذا المنطلق تشجعت وسط الكثير من العقبات التي فكرت فيها مليا, والتي كانت في نهاية التفكير توصلني إلى طريق مسدود إلا أني رميت بها عرض الحائط, واتخذت قرارا بان اكتب رأيي, حتى ولو كرهه الآخرون, وأنا على يقين بان رأيي سوف يظهر الحياد الموضوعي, رغم أن الحياد في هذه الحالة يدين الفاعل ويستنكر الحادثة بكل المقاييس. هذا الوجه الذي مر في تلك اللحظة ولم يعرف كيف عاشها, جعلني أعيد الحسابات مرة أخرى, وأعيد الشريط من جديد, على أجد فيه أسلوبا يتبعه الإعلام التشويهي في فبركة الصورة المتحركة, لكني لم أرى سوى حقيقة, وأي حقيقة هي التي تسكت عنها الإنسانية. هذا الوجه, أصبح وما زال الهاجس والصورة العامة للضحايا الذين يقعون تحت رحمة رجال الأمن, والذين باتوا يظهرون بصور غريبة عجيبة في الآونة الأخيرة, أما هذه الحالة فلا بد وان تكون لها دوافع وان يكون ورائها سبب هام جدا, ولكننا للأسف الشديد, نجهل هذا الدافع المجنون.

إذا كانت هذه الصرخات ناتجة عن شخص عذب في قسم شرطة, كتب على بابه "الشرطة في خدمة الشعب", أو بما معناه الشرطة في خدمة الشعب, فان ذلك مصيبة, وإذا كانت هذه الصرخات ناتجة عن "ظاهرة" لدى قوى الأمن, فالمصيبة أعظم. لقد سمعت كثيرا عن ما يسمى بسجن أبو غريب, وغوانتنامو وسجون النازيين, حتى أني قرأت ذات يوم أن السجون النازية كانت تخفي الأمور عن الجنود الذي يشرفون على التعذيب, فكانت غرفة التعذيب تتكتم على الأحداث التي بداخلها إلى درجة أن الحارس الذي يقف على باب الغرفة, لا يعرف ما يدور بالداخل. إلا أن النازية, بكل "وحشيتها" التي نسبت إليها لاحقا وبكل الفوضى التي سميت بـ "المحرقة" – والتي اشك فيها أصلا – لم تقمع الأبرياء بهذا الشكل ولم تقمع حتى الأعداء بهذه التصرفات الشاذة. لن أبالغ إن قلت أن عقاب الفاعل هو الإعدام, لان الإعدام لن يمسح العار الذي غمر شرطي الأمن من أعلى رأسه إلى أخمص رجليه, ولان العار لم يركب أي شخص عادي وإنما ركب شرطي امن أؤتمن على حياة أكثر من سبعون مليون مواطن وآلاف السنوات من الحضارة.

كثيرون هم الذين تحدثوا عن هذه الحادثة, ولكن ليس بشكل رسمي تماما, فالحديث كان ضمن إطار المدونات الغير رسمية أو بمعنى اصح, المدونات التي تتبع لأشخاص وليس لمؤسسات. وكثير علقوا على هذه الحادثة, فنشر مقطع الفيديو على كثير من المواقع, إلا أني ومن اللحظة الأولى في كتابة هذا المقال, تجنبت تماما إدراج مقطع الفيديو لأنه باختصار شديد, لا يحتمل. لذلك اكتفيت بوضع صورة للضحية. كثيرون هم الذين كتبوا في الموضوع, معلقين على الموضوع من كل جوانبه, ففي مدونة "وأنا مالي", قام الأخ براء بوصف الحادثة بأنها جرت في "إثم" شرطة وليس قسم شرطة, وقام بوضع الكثير من النقاط التي يسخر بها من الوضع العام ككل. براء لم يبالغ في وصفه بقسم الشرطة بإثم الشرطة, بل هو محق تماما, كما أن التعليقات التي أدلى بها, أضحكتني ضحكة صفراء, كانت تتسم بالبكاء الداخلي والألم عن بعد, والحزن الشديد على الواقع المرير الذي نعيشه. أما وائل عباس صاحب جريدة الوعي المصري, فانه تقيأ بعد مشاهدته, رغم انه حذر القراء من مراجعة أنفسهم قبل مشاهدته, وعلى ما يبدو أن التقيؤ جاء من مصلحة القراء. فصعبة جدا هي الحادثة, والأصعب هو شخصية الفاعل التي ما زلت افتقر إلى تحديد وصف يلائمها ويتطابق معها, بل ويجمع بين هذه الحادثة, وبين البزة التي يرتديها.

لقد علمتنا الحياة أمورا عديدة ومنها السينما, ومن خلال السينما عرفنا كيف يسرد المؤلف والمخرج الوقائع والأحداث التي تؤثر في المشاهدين. ومن بين الأمور التي عرضت منذ سنوات, كان فيلم قد نسيت اسمه يتحدث عن اغتصاب سجناء في إحدى سجون الولايات المتحدة الأمريكية, وفي نهاية الفيلم وبعد مرور عشرون عاما عاد المغتصب به وقتل المغتصب. كان الدافع للمغتصب انه أراد التمتع فحسب, وكان الضحية يتألم, وكان المشاهدون يتألمون معه, إلا انه وضع حدا لمأساته, بان قتل المغتصب, هذا الأمر رأيناه في فيلم عمارة يعقوبيان أو شيء من هذا القبيل. إلا أن الضحية في قسم الشرطة, غلبان. وبالعودة للمغتصب, فانه لا تحليل له سوى انه مريض نفسي, فما التهمة التي قام بها هذا المواطن, حتى ينال هذا العقاب الشنيع, حتى انه في أقصى العقوبات, لا يجوز اغتصابه بهذه الصورة الشنيعة. هذا الضابط أو سمه كما شئت, يفتقر إلى الحس الإنساني الطبيعي, ولقد ذكرني بفيلم قديم لعادل إمام, أحداثه تدور حول أمر مشابه, ولكن المغتصب, أعطي شخصية طاغية, والضحية أعطوا شخصيات مواطنين, كل ذنبهم أنهم مواطنون سقطوا سهوا تحت رحمة احد الضباط المرضى نفسيا وعقليا.

كانت صرخات عادل إمام وهو ينال حصته من العذاب , فكانت جملة عادل إمام التي تقول: إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا, كانت تعبر عن حالة فريدة حينما وقع عادل إمام ومن معه في أحداث الفيلم تحت رحمة شخص يمتلك السلطة فاستغلها, أما الضحية في فيلمنا, فانه يطلب من الضابط أن لا يستعمل معه هذا الأسلوب "المرة دي" أي انه قد استعمل معه هذا الأسلوب مرة تلو مرة, وهذا الشخص ذاق العذاب مرة تلو مرة. صرخات كررها الزمان في ظرف مكان جديد, ولكن الفرق بين الموضعين مختلف قليلا, فعادل إمام يقوم بتمثيل الدور, أما في قصتنا, فلا تمثيل. وفرق آخر, أن عادل إمام كان يلبس شيئا, أما في فيلمنا الواقعي هذا, فان الضحية لا يلبس بنطالا. في أحداث الفيلم, لاحظنا أن الشخص الذي يتملك السلطة وزمام الأمور, ليس بمنحرف جنسيا, ولم يندفع من ثار شخصي, وإنما كان مريضا نفسيا, وهذا ما رايته في مقطع الفيديو, وبغض النظر عن تهمة الضحية – إذا كان قد فعل شيئا أصلا – فان العقاب الذي ناله, هو عقاب حرم من قبل الأديان كلها, ومن قبل حقوق الإنسان, بل هو عقاب كان الأتراك يستعملوه قديما, وهو العقاب الذي استغل لتلطخ به السياسة التركية آنذاك. أما الفاعل فهو قطعا شخص مريض نفسيا وعقليا, وجسمانيا, وما هو إلا تافه منحط, وأعيد وأقول أني ما زلت افتقر إلى وصف لهذا الشخص. تألمت حقا لما رأيت في مقطع الفيديو, وأنا أوافق الإخوة الذين حذروا من مشاهدته, فهو لا يسر عدو ولا صديق, واعذروني فنحن فيزمن العجائب والغرائب والعصا لمن عصا, على أمل أن يقوم كل الشعب المصري بتكسير عظام الفاعل والمسئول قبل عبد المأمور, إحنا بتوع الأتوبيس يا إخوانا.

1 تعليقات:

عرب العرب said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اما بعد
ادخلوا سادتي واصدقلئي في الخيال على مووووقعي :
عرب العرب =uvfhguvf.blogspot.com